فنقول: من الذي أنكر قبلكم هذا المعنى والنصوص وكلام الأئمة تدل عليه؟ هذه بدعة محدثة أول من أحدثها هم أهل الكلام؛ وإلا فغيركم من الأئمة ممن تقدمكم من أهل الفضل والتقى الذين يقتدى بهم كانوا عَلَى ما في القُرْآن والسنة وقرؤا الآيات والأحاديث في ذلك ولم ينكروا منها شيئاً أو يردوا أو يؤولوا أي شيء، فأنتم ابتدعتم في دين الله ما لم يأذن به الله، فنرد هذه الكلمة وهذا المعنى، فلا تقولوا: قيام حوادث ولا هذه أعراض والأعراض لا تلحق به ولا تقولوا: حيز ولا جوهر ولا عرض ولا كمية ولا غيرها من المصطلحات الكلامية، فهذا الكلام هذا كله مما أخذتموه عن الفلاسفة ومما لاتفهم عقولكم غيره، أما نَحْنُ فنؤمن بالله كما أخبر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ونعلم أن العقول عاجزة عن إدراك حقيقة صفات الله -عَزَّ وَجَلَّ- كما أنها لا تدرك ذاته تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
قَالَ المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-:
[ولا شك أن الرسل الذين خاطبوا الناس، وأخبروهم أن الله قال ونادى وناجى ويقول، لم يفهموهم أن هذه مخلوقات منفصلة عنه؛ بل الذي أفهموهم إياه: أن الله نفسه هو الذي تكلم، والكلام قائم به لا بغيره، وأنه هو الذي تكلم به وقاله، كما قالت عَائِِِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها في حديث الإفك: (ولشأني في نفسي كَانَ أحقر من أن يتكلم الله فيّ بوحي يتلى) ولو كَانَ المراد من ذلك كله خلاف مفهومه، لوجب بيانه، إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولا يعرف في لغة ولا عقل قائل متكلم لا يقوم به القول والكلام، وإنما قام الكلام بغيره، وإن زعموا أنهم فروا من ذلك حذراً من التشبيه فلا يثبتوا صفة غيره.