ولتوضيح كلامهم عندنا مقدمتان أولاً: قولهم: إن الكلام مخلوق، وثانياً: قولهم: إنه يكون شيئاً بعد شيء، وأنه متعلق بالقدرة والمشيئة؛ فنأخذ الصواب ونرد الخطأ، فأما قولهم: إنه تَعَالَى يتكلم متى شاء، ويكون كلاماً بعد كلام فهو صحيح، لكنهم اخطاؤا باعتباره مخلوقاً، أي: لما قالوا إنه مخلوق، والماتريدية والأشعرية لما عكسوا فَقَالُوا: إن الكلام هو ما في النفس فقط.
وبناءً عَلَى ذلك قالوا: إنه ما دام أنه في النفس فهو صفة له -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مثل بقية الصفات التي نثبتها لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وأن الصفة لا تقوم إلا بالموصوف لا كما يقول المعتزلة: إن الصفة تقوم بغيره!
نقول لهم: إثباتكم أنه تَعَالَى موصوف بالكلام والتكلم وأنه صفة أزلية له -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هذا حق لكنكم نفيتم الكلام الذي هو حروف وأصوات وقلتم: إن القُرْآن هذا المحفوظ والمقروء حكاية، أو عبارة عن كلام الله، أو دلالة عَلَى كلام الله النفسي، وليس هو كلام الله عَلَى الحقيقة، فنقول -كما نقول دائماً-: إن أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ لا يظلمون أية طائفة ولا فرقة من الفرق؛ بل يبينون ما عندها من الخطأ وما عندها من الصواب، فهم شهداء لله قائمون بالقسط لا يحيفون ولا يجورون في أحكامهم. فلذلك نقول للمعتزلي قد أصبت في هذا، ولكنك أخطأت في ذاك ونقول للأشعري والماتريدي: أحسنت في هذا، ولكنك أخطأت في ذاك، ولا نقول: إنه يجب الأخذ بما في قول كُلٍ منهما بمعنى أننا لم نعرف الحق إلا عن طريقهما.