والنسبة الثانية: في العقيدة وهذه للمتكلمين والنسبة الثالثة: في السلوك وطريقة العبادة: وهذه يجعلونها لأحد أئمة الطرق الصوفية الذي ارتضوه شيخاً لهم، مع أن الأمة عندما أجمعت عَلَى فضل الأئمة الأربعة ارتضوا الآخرين كالإمامالأوزاعي، وابن المبارك، والفضيل بن عياض، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي، وسفيان بن عيينه، وسفيان الثوري، والطبري وأمثالهم من الأئمة الأجلاء، فعندما أجمعت الأمة عَلَى فضل هَؤُلاءِ الأئمة والاقتداء بهم لم تجمع عليهم لكونهم أئمة في الفقه فقط فقد يستنبطون أحكاماً دون أن يكون لهم منهج صحيح في العبادة، فلو أن لهم مخالفةً في أمورِ العقيدةِ لنُسِبوا إِلَى البدعةِ، ولُذِكَرَ ما عندهم من المخالفات في العقيدة، ولما كانوا أئمة يحتج بهم، ومجمعاً عَلَى فضلهم.
ولهذا لما أخطأ الإمامُ أبو حنيفة -رَحِمَهُ اللهُ- في مسألة الإيمان بيِّن الأئمة ذلك الخطأ مع إجلالهم له وإجماعهم عَلَى فضله -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- وأنه من الأئمة الذين أجمعت عليهم الأمة، وكذلك الإمام مالك -رَحِمَهُ اللهُ- لا يستطيع أحد أن يطعن في عبادته أو يقلل من تقواه وورعه وزهده، وكان مضرب المثل في عصره ثُمَّ يأتي بعده من يقول: إنه المالكي مذهباً القادري طريقة!!
وهل الإمام مالك -رَحِمَهُ اللهُ- لم يكن لديه من التعبد والزهد والتقوى ما يجعلك لا تجد فيه أسوة في هذا الجانب أبداً؟ وإنما تذهب إِلَى عبد القادر الجيلاني أو الشاذلي أوالجنيد أو إِلَى أي فلان كائناً من كان! هذا الإِنسَان من القرون المتأخرة الذين لا يمكن أن يبلغوا من الفضل والتقى والورع والزهد مبلغ أُولَئِكَ الأئمة.
وكذلك الإمام الشَّافِعِيّ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- كَانَ حجة في جميع العلوم حتى في اللغة والشعر ومع ذلك يقولون: لا نأخذ عن الشَّافِعِيّ في العقيدة، إنما نأخذ عنه الأحكام.