ويتعرض المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ في آخر الحديث إِلَى قضية مهمة منهجية، فَيَقُولُ: [إن مشايخ المعتزلة وغيرهم من أهل البدع، معترفون بأن اعتقادهم في التوحيد والصفات والقدر، لم يتلقوه عن كتاب ولا سنة، ولا عن أئمة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما يزعمون أن العقل دلهم عليه] وهذا هو أساس البلاء والضلال والابتداع.

فالمعتزلة يقولون: إن البراهين العقلية تقطع بأنه يستحيل أن تقوم الحوادث بذات الله، فالعقل يدل عَلَى أن هذا القُرْآن ليس كلام الله، وليس عَلَى هذا القول دليل من الكتاب أو السنة، أو قول أحد من الصحابة أو التابعين.

وإنما يقولون: يدل عَلَى ذلك العقل والبراهين العقلية القطعية، وفي الحقيقة أن هذا العقل ليس هو عقل فلان ولا فلان من المعتزلة وغيرهم، إنما هذه العقول هي عقول الوثنيين الْمُشْرِكِينَ مناليونان، وهَؤُلاءِ نقلوا كلام اليونان وأدخلوه في كلام أهل الإيمان، فأفسدوا به العقول.

والمصنف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يقول: [ولو تُرك النَّاس عَلَى فطرهم السليمة وعقولهم المستقيمة لم يكن بينهم نزاع] أي: في كلام الله عَزَّ وَجَلَّ وفي توحيده، وفي القدر وغير ذلك من أمور العقيدة، لأنها واضحة ومعلومة، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أكمل الله له الدين، فأعظم ما وضحه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو أمور التوحيد والإيمان. والصحابة -رضوان الله تَعَالَى عليهم- هم أكثر النَّاس علماً وعقلاً وذكاءً وفهماً، وما تركوا شيئاً مما يقربهم إِلَى الله إلا وتلقوه عن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إما سماعاً منه، وإما سؤالاً منهم له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهم أكمل النَّاس إيماناً، ومن مارى في ذلك أو جادل فلا شك في ضلاله وزيغه وإلحاده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015