يقول شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ: إن الفرق بين هَؤُلاءِ -أي الأشعرية - الذين يقولون إن القُرْآن له معنيان: المعنى النفسي غير المخلوق، والثاني الذي في المصاحف، فهو مخلوق من كلام البشر، أو من كلام جبريل أو مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبين الكفار الذين قالوا: إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ، بمعنى: أن معناه وحروفه من كلام البشر، أي أن الله لم ينزل هذا القُرْآن ولم يتكلم به.

الفرق أن هذا القول من الأشعرية فيه مضاهاةٌ للمشركين في نصف قولهم، إذ أن الْمُشْرِكِينَ قالوا: اللفظ والمعنى من كلام البشر، وهَؤُلاءِ قالوا: اللفظ من كلام البشر، فقالوا نصف ما قاله المُشْرِكُونَ، ومعلوم باتفاقأهل السنة والأشعرية وغيرهم أن الْمُشْرِكِينَ كفار؛ لأنهم أدعوا أن هذا القُرْآن هو من كلام البشر، يقول الشيخ فمن جعله قول مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعنى: أنه هو الذي أنشأه وتكلم به من عنده فقد كفر، ولا فرق بين أن يقول إنه قول بشر أو جني أو ملك.

ثُمَّ انتقل المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى الاستدلال بما هو معروف في كلام العرب، وهو: أن الكلام إنما هو كلام من قاله مبتدئاً لا كلام من قاله مُبلّغاً، فمن قَالَ: كلام مَنْ هذا؟ فإنّما يسأل عن الذي أنشأه وتكلم به وأستأنفه وابتدأه، لا من بلغه أو حكاه أو نقله، ويضرب لذلك أمثلة يقول ممثلاً بالمعلقة المشهورة التي هي أشهر الشعر عند العرب معلقة امرئ القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل

إلى آخر هذه المعلقة، فمن سمع قائلاً يقول هذا البيت، فإنه يقول هذا شعرامرئ القيس، وإن كَانَ معروفاً أن امرئ القيس توفي في الجاهلية، وإنما هو يعبر عما يسمعه الآن من قول، ولكن المقصود: أن هذا ليس هو كلام من ينطق به الآن، وإنما هو كلام من ابتدأه وقاله أولاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015