وذكر المُصْنِّف أيضاً بعض الأدلة العقلية التي لو تأملها العاقل لوجد أنها تقنعه يقول: لو صح أن يوصف أحد بصفة قامت بغيره، لصح أن يقال للبصير أعمى وللأعمى بصير، لأن الإِنسَان هو بصير لكن العمى قام في غيره، فيصح أن يقال لك أيها المبصر: أنت أعمى، فإذا قلت له: أنا لست أعمى: فيقال لك: أليس فلان أعمى؟ فالعمى قام بغيرك إذاً أنت أعمى، أو العكس، وهذا الكلام لا يقوله عاقل. وهذا دليل عَلَى أن هَؤُلاءِ لا عقل لهم ولا نقل.
وقال أيضاً ولصح أن يوصف الله تَعَالَى بالصفات التي خلقها في غيره من الألوان والطعوم والروائح، والطول والقصر وهذا لازم ووارد، وهم يقولون إن من وصف الله بشيء منها فهو كافر، ويردون ما أثبت الله لنفسه من الصفات من أجل التنزيه، ويقولون مع ذلك: إن الكلام هو ما قام بغيره، فيقال لهم والعياذ بالله: إن هذه الطعوم والألوان والروائح وما في المخلوقات من الصفات نثبتها لله، فإذا قالوا: لا. كيف نثبتها لله؟ قلنا: هي له؛ ولكنها قامت بغيره كما تقولون في الكلام.
فالكلام صفة من صفات الله غير مخلوق، وكذلك سائر صفات الله عَزَّ وَجَلَّ، فليس شيء من صفاته مخلوق أبداً، وما عداه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه مخلوق، وكلامهم مخلوق.
قال المصنف -رحمه الله-:
[وبمثلِ ذلك ألزَم الإمامُ عبد العزيز المكي بِشْرَاً المريسي بينَ يدي المأمون بعد أن تكلم معه ملتزماً أن لا يخرج عن نص التنزيل وألزمه الحجة فقال بشر: يا أمير المؤمنين ليدع مطالبتي بنص التنزيل ويناظرني بغيره، فإن لم يدع قوله ويرجع عنه ويقر بخلق القرآن الساعة وإلا فدمي حلال.
قال عبد العزيز تسألني أم أسألك؟
فقال بشر اسأل أنت وطمع فيَّ.
فقلت له: يلزمك واحدة من ثلاث لا بد منها:
إما أن تقول إن الله خلق القرآن -وهو عندي أنا كلامه- في نفسه أو خلقه قائماً بذاته ونفسه، أو خلقه في غيره؟
قال: أقول خلقه كما خلق الأشياء كلها وحاد عن الجواب.