وكذلك أيضاً ما خَلَقهُ في الحيوانات ولا يُفرَّقُ حينئذ بين نَطَقَ وأَنْطَقَ وإنَّما قالت الجُلُودُ أَنطَقَنَا اللَّهُ [فصلت:21] ولم تَقُلْ نطقَ الله؛ بل يلزم أن يكونَ مُتكلّماً بِكُلِّ كلامٍ خَلَقَهُ في غيرِه زوُراً كَانَ أو كذباً، أو كُفراً أو هذياناً!! تَعَالَى الله عن ذلك. وقد طرَّدَ ذلك الاتحادية فَقَالَ ابن عربي:

وكُلُّ كَلامٍ في الوُجُودِ كلامُه سَوَاءٌ عَلَينا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ

ولو صَحْ أن يُوصَفَ أَحَدٌ بصفةٍ قامتْ بغيره لَصَحَّ أنْ يُقالَ للبصير: أعمى وللأعمى بصير! لأن البصيرَ قد قَام وصفُ العمى بغيره والأعمى قد قَامَ وَصفُ البصرِ بغيره، ولَصَحَّ أن يُوصَفَ اللهُ تَعَالَى بالصفاتِ التي خَلََقَها في غيره من الألوان والروائِح والطُّعُومِ والطول والقِصر ونحو ذلك] اهـ.

الشرح:

هذه شبهات ولكنها تبدوا لذى العقل السليم الناضج أنها لا تستحق أن يمارى ولا أن يجادل بها في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، ولكن شهوة الجدل، والاعتراض عَلَى الله ورسوله، وعدم التسليم والانقياد له، هي الدافع وراء هذه الشبهات، فأرادوا أن يأتوا بهذه الشبهة ليتخلصوا من إثبات صفة الكلام لله عَزَّ وَجَلَّ.

فَقَالُوا: إنَّ المتكلم ليس هو من فعل الكلام؛ ولكن المتكلم من يقوم به كلام غيره، فيقولون -مثلاً- في كلام الله لموسى: إن الشجرة هي التي نطقت وتكلمت، فكلام الله قام بالشجرة، فقالوا الشجرة هي التي تكلمت، أما الله عَزَّ وَجَلَّ فإنه لا يتكلم، ونفوا عنه الكلام، فالكلام عندهم ما يقوم بغير المتكلم.

ومعنى قول المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [وكيفَ يَصِحُ أن يكونَ مُتكلماً بكلام يَقُومُ بغيره؟] وهو المتكلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015