ففي هذا الحديث إثبات صفة الكلام، وإثبات الرؤية، وإثبات العلو، وكيف يصح مع هذا أن يكون كلام الرب كله معنى واحداً، وقد قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ ِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ [آل عمران:77] فأهانهم بترك تكليمهم، والمراد أنه لا يكلمهم تكليم تكريم وهو الصحيح، إذ قد أخبر في الآية الأخرى أنه يقول لهم في النَّار اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108] فلو كَانَ لا يكلم عباده المؤمنين لكانوا في ذلك هم وأعداؤه سواء، ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلاً، وقال البُخَارِيّ في صحيحه (باب كلام الرب تَبَارَكَ وَتَعَالَى مع أهل الجنة) وساق فيه عدة أحاديث، فأفضلُ نعيم أهلِ الجنة رؤيةُ وجهه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وتكليِمه لهم، فإِنكارُ ذلك إِنكَارٌ لروح الجنَّة، وأعلى نعيِمها وأَفضلِه الذي ما طابت لأهلها إلا به] اهـ.
الشرح:
ذكر المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: أنه توجد في الكتاب والسنة أدلة كثيرة عَلَى تكليم الله تَعَالَى لأهل الجنة وغيرهم، وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه عن جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فإنه حديث ضعيف كما علق عَلَى ذلك المحققان والشيخ إنما ذكره -والله أعلم- مع كثرة الأحاديث الصحيحة التي سيذكر بعضها إن شاء الله لعلاقته بالآية، لأن الآية واضحة بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول لهم: السلام عليكم يا أهل الجنة، وذلك قول الله تعالى: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يّس:58] لأن الآية تدل عَلَى ذلك، فذكر هذا الحديث تفسيراً لها ولأنه توسم فيه إثبات أكثر من صفة لأنه قال فيه إثبات صفة الكلام، وإثبات صفة الرؤية، وإثبات صفة العلو، ففيه أنه اشتمل عَلَى إثبات هذه الثلاث الصفات.