يقول لك ما حد الإِنسَان؟ أي: ما تعريفه؟ وما حقيقته؟ وتجد في كل علم حده أو تعريفه أو صفته أو ما أشبه ذلك، هذا تابع للمعنى الثاني أو مشتق منه، من غير حدٍ ولا إحاطة ولا حلول، أي: من غير كيفية، ومن غير معرفة يعرفها البشر أو يطلع عليها البشر، فيما تعلق بذاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإنما هي موصوفة بالعلم، أي: عن طريق الخبر الغيبي الذي جَاءَ به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومعنى قوله: [وتراه العيون في العقبى] أي في الآخرة.

يقول: [ظاهراً في ملكه وقدرته، وقد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته] وهذه أيضاً معاني صحيحة وردت في الكتاب والسنة، فيريد أن يقول: نَحْنُ عَلَى هذا المذهب الصحيح، وهو أن الأدلة الشاهدة عليه سبحانه في ملكه وفي قدرته ظاهرة، أما ذاته تَعَالَى فقد حجبها وحجب الخلق عن معرفتها.

يقول: [وقد حجب الخلق عن معرفة كنه ذاته ودلهم عليه آياته -الليل والنهار وكافة المخلوقات- فالقلوب تعرفه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والعيون لا تدركه] ثُمَّ قَالَ: [ينظر إليه المؤمنون بالأبصار] أي: تراه العيون في العقبي. كما قَالَ: [من غير إحاطة ولا إدراك نهاية] .

كما قال عَزَّ وَجَلَّ: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام: 103] فكأنه يشرح هذه المعاني القرآنية الصحيحة بألفاظ من عنده ويقول: إننا لم نخرج عن مذهب السلف. هذا هو المقصود.

قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:

[وأما لفظ الأركان والأعضاء والأدوات، فيستدل بها النفاة عَلَى نفي بعض الصفات الثابتة بالأدلة القطعية، كاليد والوجه. قال أبو حنيفة -رضي الله عنه- في الفقه الأكبر: له يد ووجه ونفس، كما ذكر تَعَالَى في القُرْآن من ذكر اليد والوجه والنفس، فهو له صفة بلا كيف، ولا يُقَالَ: إن يده قدرته ونعمته، لأن فيه إبطال الصفة انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015