وهذا معلوم لا ينكره أحد إلا الجهمية كما قلنا، لكن الذين اختلفوا فيه من غير الجهمية قالوا: إن إبراهيم خليل الله ومُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبيب الله، واضطرهم هذا إِلَى أن يقولوا: إن المحبة أفضل من الخلة؛ لأنهم يرون أن ما يثبت لرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل مما يثبت لإبراهيم وأعلى.
فَقَالُوا: إن المحبة أعلى من الخلة؛ لأن إبراهيم خليل الله ومحمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبيب الله، واستدلوا بحديث رواه ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إن إبراهيم خليل الله ألا وأنا حبيب الله ولا فخر) وهو حديث في سنده ضعاف لا تثبت به حجة، ولا ينهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة التي سبقت.
وهذا القول أن المحبة أعلى من الخلة قاله بعض الصوفية لأنهم يتعلقون بكلمة المحبة.
وقد ذكرنا عبارةالسلف في ذلك وهي: "من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري -أي: خارجي- ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبد الله تَعَالَى بالحب والخوف والرجاء فهو المؤمن الموحد" فالخوارج يعبدون الله تَعَالَى بالخوف وحده، والمرجئة يعبدون الله بالرجاء وحده والصوفية يعبدون الله تَعَالَى بالمحبة وحدها كما يزعمون.
ولهذا يستحلون كثيراً من المحرمات ويتركون الواجبات إِلَى حد أن بعضهم يترك جميع التعبدات ويقول: إن الحبيب لا يعذب حبيبه حتى أن بعضهم يقول: إن قلبي مشغول بمحبة الله، وإذا أشغلتني محبته عن عبادته وعن الصلاة له فإنه لن يؤاخذني عَلَى شيء من ذلك لأنه يعلم أنه ما أشغلني عن طاعته وعن صلاته إلا محبتي له، هكذا يزعمون وهذه هي الزندقة، ولذلك قال العلماء هذه المقالة: "من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق"، وهكذا كَانَ حالهم.