ثُمَّ انتقل المُصْنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- إِلَى الدليل العقلي، وهذا الدليل قد سبق معنا عَلَى شكل قاعدة من القواعد التي نعرف بها إثبات الصفات، والتي نستدل بها عَلَى أن الفطرة الإِنسَانية والعقل الإِنسَاني يثبت صفات الله - عَزَّ وَجَلَّ - وأن له الكمال المطلق -عَزَّ وَجَلَّ- وهذه القاعدة هي: (كل صفة كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه فالله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أحق بها) فلو أخذنا صفة العلم وجدناها صفة كمال، والمخلوق يمدح بأنه عالم، وكلما كَانَ المخلوق أكثر علماً كلما كَانَ هذا زيادة في مدحه، فنقول: هو أكثر علماً من فلان، فالذي له المثل الأعلى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يجب أن يثبت له العلم من باب الأولى، والمخلوق إنما استمد علمه مما أعطاه الله إياه من العلم، وهذه القاعدة فصلها المُصْنِّف فيما سيذكره، يقول: (الدليل العقلي عَلَى علمه -تعالى- أنه يستحيل إيجاده الأشياء مع الجهل) هذا الأمر الأول، لأن الذي يؤمن بأن الله هو الذي خلق الكون، وخْلقُ هذه الأشياء يثبت لله صفة العلم، لاستحالة وجود هذه الأشياء مع الجهل، ولا يخلقها إلا من يعلمها كما قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

الأمر الثاني: أن الإيجاد والخلق لا يكون إلا بإرادة، فالإِنسَان عندما يريد أن يعمل أي عمل، فإن ذلك العمل لا بد أن يُسبق بإرادة وتصور، وهذا معنى قول المصنف: ولأن إيجاده الأشياء بإرادته، فالإرادة تستلزم تصور المراد، وأن يكون معلوماً عند الفاعل، فتصور المراد هو العلم بالمراد، فكان الإيجاد مستلزماً للإرادة، والإرادة مستلزمة للعلم، وعليه فالإيجاد مستلزم للعلم، فإيجاد الله تَعَالَى للمخلوقات يقتضي أن يكون عالماً بها، وإن كنا لم نعرف الحقيقة الكاملة لعلم الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لكن المقصود حقيقة الإيمان بعلم الله عَزَّ وَجَلَّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015