وأمثال ذلك من الآيات والأحاديث والأدلة العقلية كثيرة لا تحصى ولا تحصر في إثبات علم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومنها ما تقدم الحديث عنه وهو المرتبة الأولى من مراتب القدر: وهو العلم بأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كَانَ كيف يكون، وأنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد كتب ذلك كله وقدره وهو عليم به -جل شأنه- وأن وقوع الشيء وفق ما قضاه وقدره لا يزيد الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- علماً بالشيء، فإنه يعلمه عَلَى صفته التي سيكون عليها قبل أن يكون.
ومن ذلك آيات علم الغيب قاطبة، ولهذا استدل المُصْنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بآية الأنعام:وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام:59] وأمثال ذلك من الآيات الدالة عَلَى أن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هو المتفرد بعلم الغيب.
فهذا إثبات لصفة العلم، والذين ينكرون صفة العلم: هم الجهمية، ومن هَؤُلاءِ الجهمية بشر المريسي ولذلك نقل المُصْنِّف نصاً عن عبد العزيز الكناني -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وعبد العزيز الكناني أو المكي تلميذ من تلاميذ الإمامالشَّافِعِيّ، وكان من جلسائه وخاصته.
وتوفي الإمامالشَّافِعِيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قبل أن تفشو فتنة القول بخلق القرآن، ويظهر أمرالجهمية، وبعضهم يقول: إنه أدرك ذلك؛ لكنه اتخذ سبيل التورية ونجا، لكن الأظهر أن الإمام الشَّافِعِيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- لم يدرك ذلك وإنما أدركه تلاميذه، ومنهم عبد العزيز المكي أو الكناني، فلما ظهرت هذه الفتنة وفشت عند المأمون، رحل عبد العزيز الكناني - كما بين ذلك في كتابه الحيدة - إِلَى الخليفة المأمون، واستعد لمناظرة ـبشر المريسي أمام النَّاس عَلَى الملأ، ومناظرة الذين ينكرون صفات الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ويحرفون كتاب الله.