والكاف في هذا المثال زائدة، ومراد الشاعر أن يقول: ليس مثلهم في النَّاس من أحد، لكنه جَاءَ بحرف الكاف الزائد لزيادة التأكيد، فيكون إعراب الآية عَلَى هذا الوجه متكون من فعل ناسخ، وخبر مقدم، ومبتدأ مؤخر، وزيدت الكاف في الخبر المقدم وهو "مثل" للدلالة عَلَى تأكيد المعنى، وحرف الصلة الزائد يعمل لفظاً، وإن لم يكن يغير الحقيقة، وزيادته تدل عَلَى أنه لا بد أن يكون له معنى، وتكون دلالته عَلَى التأكيد غالباً، كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّه [فاطر:3] أي هل خالق غير الله؟ فـ (مِنْ) هنا حرف جر زائد، زيادته للتأكيد، ولهذا يأتي التابع الذي بعده معطوفاً مرفوعاً بناءً عَلَى المحل هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر:3] فجاء بحسب المحل؛ لأن المحل مرفوع ولم يأت بحسب اللفظ.

وإن كانت (من) في اللفظ أدت إِلَى خفض قوله (خالق) ، كما أن الكاف هناك خفضت قوله: (مثل) ، لكن هذا الأثر اللفظي لا يغير من مقصود الألفاظ والعبارات شيئاً، وهذا المعنى واضح إن شاء الله.

يقول: (وقد جَاءَ عن العرب أيضاً زيادة الكاف للتأكيد في قول بعضهم:"وصاليات ككما يُؤْثَفَيْن"، أي كما أن الكاف تزاد في (مثل) ، فإنها تزاد أيضاً في (كما) ، وأصل البيت أن يقول: (وصاليات كما يؤثفين) ، فزاد الكاف وقَالَ: (وصاليات ككما يؤثفين) ، وهذا أيضاً من الشواهد الدالة عَلَى أن الكاف قد تأتي زائدة، ويذكر أيضاً البيت الآخر وهو المنسوب إِلَى رؤبة بن العجاج الرجّاز العربي المشهور فيقول:

فأصبحت مثل كعصف مأكول

ومراد الشاعر أن يقول: أصبحت مثل عصف مأكول، أو فأصبحت كعصف مأكول لكنه جَاءَ بمثل وبالكاف معاً للدلالة عَلَى التأكيد، لا سيما وأنَّ وزن الرجز يقتضي أن يأتي بكلمة، فجاء بكلمة فيها زيادة معنى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015