معنى ذلك أنك لا تستثني منهم أحداً، ولكنها أيضاً تأتي أحياناً لعموم مقيد، وهو لا يعني العموم المطلق من كل وجه، ولهذا لما جَاءَ المعتزلة وغيرهم، يناظرون الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ في مجلس الخليفة، قالوا له: يا أَحْمَد! أليس القُرْآن شيء؟. قَالَ: بلى. قالوا: أليس الله تَعَالَى يقول: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62] ؟ قَالَ: بلى، قالوا: إذن القُرْآن مخلوق.

فرد عليهم الإمام أَحْمَد بإلزام يوضح أن كلمة كل هنا ليست بمعنى الإطلاق.

وذلك أنه لما قال الإمام أَحْمَد: أو ليس الله تَعَالَى يقول في الريح التي أرسلها عَلَى عاد: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [الأحقاف:25] ؟ فهل دمرت السماوات؟ وهل دمرت الأرض؟ وهل دمرت الرمال؟ إنما تدمر كل شيء أمرت بتدميره، وهو هَؤُلاءِ الناس، وما يتعلق بهم من أموالهم وأمتعتهم، أو مساكنهم أو نحو ذلك.

فكلمة "كل" إذاً ليس مدلولها الشمولية الكاملة في كل وقت، وإنما تأتي هذه الكلمة بحسب السياق الذي تدل عليه، فعمومها قد يكون مطلقاً، وقد يكون مخصوصاً، أو خاصاً بما يقيده، وتعينه القرائن الحافة به.

ثُمَّ انتقل إِلَى تحريف المعتزلة لمعنى: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284] ، بأنه: وهو عَلَى ما يقدر عليه قدير، أو عَلَى ما يشاء قدير، ومقصودهم بذلك أنه لا يشاء أفعال العباد القبيحة، وأن الله لا يشاء معاصي العباد، كما سبق في بحث الإرادة، قالوا: وهو عَلَى ما يشاء قدير، ولا يقولون: عَلَى كل شيء قدير، حتى لا يدخلوا أفعال العباد هذه، وَقَالُوا: وهو عَلَى كل شيء مقدور له قدير، وأفعال العباد ليست مقدورة له.

فرد عليهم المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ هنا بأنك إذا قلت: فلان بما يعلمه عليم، وفلان بما يقدر عليه قدير، أنها لا تثبت فائدة في حق المخلوق، فكيف في حق الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015