هذه الستة الأوجه كل منها عظيم، وهي مأخوذة من هذه الآية الموجزة اللفظ، ولكنها عظيمة ككل القُرْآن في معناه، وهي قوله تعالى: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:16] ، ولو تأمل المتأمل لربما زادت عَلَى ذلك.

ثُمَّ يستدرك المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ فَيَقُولُ:

[وللناس قولان في هذا العالم: هل هو مخلوق من مادة أم لا؟

واختلفوا في أول هذا العالم ما هو؟

وقد قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ [هود:7] .

وروى البُخَارِيّ وغيره عن عمران بن حصين -رضي الله عنه-، قَالَ: (قال أهلاليمن لرَسُول الله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جئناك لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر، فقَالَ: كَانَ الله ولم يكن شيء قبله) .

وفي رواية: (ولم يكن شيء معه) .

وفي رواية: (غيره) .

(وكان عرشه عَلَى الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض) ، وفي لفظ: (ثُمَّ خلق السموات والأرض) ، فقوله: (كتب في الذكر) ، يعني: اللوح المحفوظ، كما قال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ [الأنبياء:105] سمى ما يكتب في الذكر ذكرا، كما يسمى ما يكتب في الكتاب كتابا.

والنَّاس في هذا الحديث عَلَى قولين، منهم من قَالَ: إن المقصود إخباره بأن الله كَانَ موجودا وحده، ولم يزل كذلك دائماً، ثُمَّ ابتدأ إحداث جميع الحوادث، فجنسها وأعيانها مسبوقة بالعدم، وأن جنس الزمان حادث لا في زمان، وأن الله صار فاعلاً بعد أن لم يكن يفعل شيئاً من الأزل إِلَى حين ابتداء الفعل ولا كَانَ الفعل ممكناً.

والقول الثاني: المراد إخباره عن مبدأ خلق هذا العالم المشهود الذي خلقه الله في ستة أيام، ثُمَّ استوى عَلَى العرش، كما أخبر القرءان في غير موضع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015