فان قال قائل: هل كلما أراد الله شيئاً لا بد أن يفعله، أم أنه إذا أراد شيئاً فإنه قادر عَلَى فعله، قد يفعله وقد لا يفعله؟

قلنا له: إذا أراد أن يفعل شيئاً فعله، وإن لم يرد أن يفعله لم يفعله، وما لم يرد فعله، فإنه لا يفعله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا لا إشكال فيه.

أما أنه إذا أراد شيئاً فإنه قادر عَلَى فعله، ولكن قد يفعله وقد لا يفعله، فلا؛ لأننا متفقون عَلَى أنه القادر عَلَى أن يفعله فكل شيء متى أراد أن يفعله فعله، وما لم يرد أن يفعله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يفعله، ولا يملك أي مخلوق عَلَى الإطلاق أن يفعل ذلك فإن المخلوق يريد ما لا يفعل، ويفعل ما لا يريد..

أما الخامس فمعناه: أن كل ما أراده الله في الكون من الموجودات فله إرادة تخصه، كما هو واضح في الفطرة وظاهر في الأدلة، فإذا قلنا أراد الله أن توجد هذه الشجرة، وأراد الله أن يوجد هذا الجبل، وهكذا في بقية الأمثلة، فإنها إرادات متعددة، لا أنها إرادة واحدة فقط، كما يقول الفلاسفة -وهي عندهم العلة التامة الموجبة التي تقتضي إيجاد كل معلول لها- بل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يفعل ما يشاء.

ولكننا لا نعلم كيفية اتصاف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالإرادة، كما هو معلوم في جميع الصفات، وإنما الذي نثبته ما دلت عليه عموم النصوص والفطرة والبداهة: أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له في كل فعل إرادة تخص ذلك الفعل، وباطل قطعاً قول من يقول: إنها إرادة واحدة اقتضت كل شيء دفعة واحدة، ثُمَّ بقيت الأمور تتسلسل هكذا في الطريق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015