الثاني: أنه لم يزل كذلك، لأنه ساق ذلك في معرض المدح والثناء عَلَى نفسه، وأن ذلك من كماله سبحانه، ولا يجوز أن يكون عادماً لهذا الكمال في وقت من الأوقات، وقد قال تعالى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النحل:17] ولما كَانَ من أوصاف كماله ونعوت جلاله، لم يكن حادثاً بعد أن لم يكن.

الثالث: انه إذا أراد شيئا فعله، فان "ما" موصولة عامة أي: يفعل كل ما يريد أن يفعله، وهذا في إرادته المتعلقة بفعله، وأما إرادته المتعلقة بفعل العبد فتلك لها شان آخر؛ فإن أراد فعل العبد ولم يرد من نفسه أن يعينه عليه ويجعله فاعلا، لم يوجد الفعل، وإن أراده حتى يريد من نفسه أن يجعله فاعلا.

وهذه هي النكتة التي خفيت عَلَى القدرية والجبرية، وخبطوا في مسألة القدر، لغفلتهم عنها، وفرق بين إرادته أن يفعل العبد، وإرادة أن يجعله فاعلا، وسيأتي الكلام عَلَى مسألة القدر في موضعه إن شاء الله تعالى.

الرابع: أن فعله وإرادته متلازمان، فما أراد أن يفعل فعله، وما فعله فقد أراده، بخلاف المخلوق فإنه يريد ما لا يفعل، وقد يفعل ما لا يريده، فما ثُمَّ فعال لما يريد إلا الله وحده.

الخامس: إثبات إرادات متعددة بحسب الأفعال، وأن كل فعل له إرادة تخصه، هذا هو المعقول في الفطر، فشأنه سبحانه أنه يريد عَلَى الدوام، ويفعل ما يريد.

السادس: أن كل ما صح أن تتعلق به إرادته، جاز فعله، فإذا أراد أن ينزل كل ليلة إِلَى السماء الدنيا، وأن يجيء يَوْمَ القِيَامَةِ لفصل القضاء، وأن يري عباده نفسه، وأن يتجلى لهم كيف شاء، ويخاطبهم، ويضحك إليهم، وغير ذلك مما يريد سبحانه لم يمتنع عليه فعله، فإنه تَعَالَى فعال لما يريد. وإنما تتوقف صحة ذلك عَلَى إخبار الصادق به، فإذا أخبر وجب التصديق، وكذلك محو ما يشاء، وإثبات ما يشاء، كل يوم هو في شأن سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015