وكذلك (أعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا) ، فمن استعاذ بشيء من صفات الله، فإنما يستعيذ بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك يجوز الحلف بصفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيَقُولُ: وعزة الله، وقدرة الله، وهكذا ... فإن هذا يدل عَلَى أن الصفات -علاقتها بالذات- خارج الذهن لا تنفك عن الذات، وأما في داخل الذهن، فالذهن يتصور التقسيم النظري، بأن هذا ذات وهذه صفات.

ويستدل عَلَى ذلك بالمعنى اللغوي، فكلمة "ذات" في لغة العرب هي: تأنيث لـ"ذو"، فعندما نقول: ذو المال، أو ذات الولد، أو ذو السلطان -أي: صاحب السلطان، ونقول ذات المال، أو ذات الولد، أو ذات كذا- بمعنى صاحبة كذا، فكلمة "ذات" في أصل اللغة هي: تأنيث لكلمة "ذو"، وهذه من الكلمات التي لا تستعمل إلا مضافة، فلا يمكن أن تستغني عن الإضافة، بل لا بد أن يُذكر بعدها مضاف إليه، فكيف يُقال إذاً بالتفريق بين الذات والصفات، مع أنها في أصل اللغة لا بد أن توصف بنفسها؟! فتقتضي بذاتها ولفظها أن لها موصوفا مضافاً.

وقد مر بنا أن العقل والذهن يتصور أشياء هو يتخيلها، مع أنه لا حقيقة ولا وجود لها في الواقع الخارجي بإطلاق -فمثلاً- يقولون إن الشيء قد يكون جائزاً عقلاً، لكنه مستحيلاً عادة، فالشاعر إذا ذكر في قصيدته شيئاً مستحيلاً عادة، لكنه جائز عقلاً، كَانَ هذا من الأمر الممدوح الذي يدل عَلَى أن الشاعر لديه شاعرية عظيمة، كقول المعري:

فلولا الغمد يمسكه لسالت يذيب منه كل عظم فلولاً

أي لو أن الغمد مسك السيف لسال ولذاب، يعني: من شدة دقة السيف، مبالغة في وصف السيف بأنه حاد دقيق، وما عُلم أن سيفاً ذاب، فهذا مستحيل ولا يقع، لكن العقل يجوز ذلك.

فالعقل يجوز أن المعادن تذوب، فلذلك يقولون: هذا ممدوح وليس عليه غبار.

لكن قول أبي نواس:

وأخفت أهل الشرك حتى إنه لتخافك النطف التي لم تخلق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015