وقد يقول بعضهم: الصفة لا عين الموصوف ولا غيره، وهذا له معنى صحيح، وهو: أن الصفة ليست عين ذات الموصوف التي يفرضها الذهن مجردة بل هي غيرها، وليست غير الموصوف، بل الموصوف بصفاته شيء واحد غير متعدد، والتحقيق أن يفرق بين قول القائل: الصفات غير الذات، وبين قوله: صفات الله غير الله فإن الثاني باطل لأن مسمى الله يدخل فيه صفاته بخلاف مسمى الذات، فإنه لا يدخل فيه الصفات، لأن المراد أن الصفات زائدة عَلَى ما أثبته المثبتون من الذات والله تَعَالَى هو الذات الموصوفه بصفاته اللازمة ولهذا قال الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ-[لا زال بصفاته] ولم يقل "لازال وصفاته" لأن العطف يؤذن بالمغايرة وكذلك الإمامأَحْمَد -رضي الله عنه- في مناظرته الجهمية لا نقول الله وعلمه، الله وقدرته، الله ونوره، ولكن نقول الله بعلمه، وقدرته ونوره، هو إله واحد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإذا قلت: أعوذ بالله، فقد عذت بالذات المقدسة الموصوفة بصفات الكمال المقدس الثابتة التي لا تقبل الانفصال بوجه من الوجوه.
وإذا قلت: أعوذ بعزة الله فقد عذت بصفة من صفات الله تعالى، ولم أعذ بغير الله، وهذا المعنى يفهم من لفظ "الذات"، فإن "ذات" في أصل معناها لا تستعمل إلا مضافة، أي: ذات وجود، ذات قدرة، ذات عز، ذات علم، ذات كرم إِلَى غير ذلك من الصفات، فذات كذا بمعنى صاحبة كذا.
تأنيث ذو، هذا أصل معنى الكلمة، فعلم أن الذات لا يتصور انفصال الصفات عنها بوجه من الوجوه، وإن كَانَ الذهن قد يفرض ذاتاً مجردة عن الصفات، كما يفرض المحال.
وقد قال صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) .
وقال صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) . ولا يعوذ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغير الله.
وكذا قال صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك) .