ولهذا يرد علينا كما سياتي إن شاء الله تَعَالَى حديث عمران بن حصين -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ- المعروف في وفد اليمن، لما جاءوا إِلَى النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: يا رَسُول الله! جئناك نسألك عن أول هذا الأمر، أو عن هذا الأمر كيف كان؟ "فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما أخبر النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استأنف خلق المخلوقات بعد أن لم يكن معه شيء، وقد كفى ابْن تَيْمِيَّةَ الرد عَلَى هذه المسألة بأن شرح رسالة مستقلة طبعت في رسائل المسائل، وفي مجموع الفتاوى في حديث عمران بن حصين، وذكر فيه الروايات الثلاث:
(ولم يكن قبله شيء) .
(ولم يكن غيره شيء) .
(ولم يكن معه شيء) .
وذكر أن الذي ترجح من هذه الروايات هي رواية (قبله) !
لأنها تتفق مع قول الله: هُوَ الْأَوَّلُ..، وتتفق مع الحديث الصحيح أيضاً "أنت الأول فليس قبلك شيء".
وكذلك الدور نوعان:
1- دور قبلي.
2- ودور اقتراني، أو معي من المعية والاقتران.
فالدور القبلي: مثل قولك: لا يكون زيد إلا بعد عمرو، ولا يكون عمرو إلا بعد زيد، بمعنى توقف كل واحد من الشيئين عَلَى الآخر، فهذا باطل. فمثلاً نقول: أنا لا أقدر أن آتيك إلا بسيارة، وما أقدر أن أحصل عَلَى سيارة إلا عندما آتيك.
وأما الدور الاقتراني: فهو صحيح، مثل قولك: أنا لا أقدر أن آتيك إلا مع محمد، ولا يقدر أن يأتيك مُحَمَّد إلا معي، فهذا صحيح؛ فإن اقتراني هذا يعني أن نجيء مع بعض أو نقعد مع بعض، ويُمثل هذا بالأبوة والبنوة، فلا تتصور الأبوة إلا بالنبوة، ولا بنوة إلا بالأبوة، فعندما نقول: هذا الشيء فوق، فإنه لا تتصور الفوقية إلا بالتحتية، ولا تحتية إلا بالفوقية، فكلمة فوق تستلزم بذاتها وجود تحت، وكذلك كلمة أب.