فالقضية إذاً ليست منقولة عن الكرامية، وللعلم؛ فإن الكرامية فرقة منقرضة، بل حتى على أيام شيخ الإسلام ابن تيمية لم يكن لها ذلك الوجود، وإنما كَانَ لها وجود أيام الفخر الرازي في جهة بلاد ما وراء النهر، والفخر الرازي هو الإمام المتأخر للمذهب الأشعري الذي يعتبرونه أعظم فلاسفة هذا المذهب، عَلَى ما فيهم من تناقضات، وله ردود كثيرة جداً عَلَى الكرامية، وابْن تَيْمِيَّةَ ما هو إلا كرامياً، -على حد زعمه- فهو من الفرقة التي سبقللرازي أن هزمها وانتصر عليها.

فكأنهم يقولون: ابْن تَيْمِيَّةَ ما زاد عَلَى أن ابتدع بدعة جديدة أخذها من مذهب الكرامية، والكرامية قد كفينا أمرها بالإمام الفخر الرازي الذي من كلامه ومن قواعده استنبط كتاب المواقف، الذي لا يزال هو إِلَى الآن عمدة مذهب الأشاعرة، والمقرر الذي يدرس في الكليات المعتبرة الآن في معظم العالم الإسلامي تقريباً.

وأما قوله: "إنه غلا رَحِمَهُ اللهُ في مناصرة هذا المذهب والدفاع عنه ضد مخالفيه من المتكلمين والفلاسفة، فنعم الموقف موقف الرجل الذي يناصر السنة ضد شَيْخ الإِسْلامِ رَحِمَهُ اللهُ في هذا، وإنما ذكر ما يراه هو مذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ، بل لم يقل هذا مذهب مجمع عليه، بل قَالَ: هذا مذهب أكثر أهل الحديث.

ثُمَّ أخذ يبين الرد ويتفلسف ويقول: "إنه انتهى به القول إِلَى أن كلام الله تَعَالَى قديم الجنس حادث الأفراد وكذلك فعله وإرادته، وبما أن القول بذلك يستلزم التسلسل، فقد جوزه في الماضي والمستقبل جميعاً ... إِلَى آخر كلامه".

نقول: ذكر شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ في منهاج السنة: أن التسلسل والدور عَلَى نوعين:

باطل، وصحيح، فإما أن يكون في العلل والمعلولات -يعني في الفاعلين والمفعولات، وإما أن يكون في اسم الآثار والحادثات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015