وأما الثاني: فهو ما يخلقه عَزَّ وَجَلَّ منفصلاً عنه، وقد تبعهم شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ في تجويز قيام الحوادث بالذات، والمؤلف هنا يختصر كلامه المذكور في منهاج السنة وقد غلا رَحِمَهُ اللهُ في مناصرة هذا المذهب والدفاع عنه ضد مخالفيه من المتكلمين والفلاسفة، وادعى أنه هو مذهب السلف مستدلاً بقول الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللهُ وغيره: [لم يزل الله متكلماً إذا شاء] ، لأنه إذا كَانَ كلامه تَعَالَى -وهو صفه قائمة به- متعلقاً بمشيئته واختياره، دل ذلك عَلَى جواز قيام الحوادث بذاته؛ لأن ما يتعلق بالمشيئة والاختيار لا يكون إلا حادثاً، ثُمَّ يقول: وقد انتهى به القول إِلَى أن كلام الله تَعَالَى قديم الجنس حادث الأفراد، وكذلك فعله وإرادته ونحو ذلك من الصفات غير اللازمة للذات، وبما أن القول بذلك يستلزم التسلسل، فقد جوزه في الماضي والمستقبل جميعاً، وادعى أن مثل هذا التسلسل ليس ممتنعاً.

ثُمَّ أخذ يرد عليه، يقول: وغير واحد من العلماء -ولم يذكر أسماء- يعدون هذا الذي انتهى إليه شَيْخ الإِسْلامِ من جملة ما ندَّ فيه عن الصواب، وينكرون عليه، ويقولون: كيف يقول بقدم جنس الصفات والأفعال مع حدوث آحادها؟ وهل الجنس شيء آخر غير الأفراد المجتمعة؟ وهل يتركب الكلي إلا من جزئياته؟ فإذا كَانَ كل جزئي من جزئياته حادثاً، فكيف يكون الكلي قديماً؟

وكان عَلَى المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ -كما يقولالأرنؤوط - أن يتجنب الخوض في هذه المسألة، ويكف عنها ويكتفي بما قاله الإمام أَحْمَد وغيره من السلف -رحمهم الله- في ذلك".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015