وهذه الأعمال توزن يَوْمَ القِيَامَةِ في الموازين، كما ثبت ذلك وورد في أحاديث كثيرة صحيحة منها: حديث المفلس لما قال النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: يا رَسُول الله! المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار -هذا العرف المادي البشري- فَقَالَ النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لكن المفلس من يأتي يَوْمَ القِيَامَةِ بحسنات كالجبال، أو قال بصلاة وصيام وجهاد وحج ثُمَّ يأتي وقد ظلم هذا وسرق هذا وأخذ مال هذا -حين تنصب الموازين- فيؤخذ من حسناته فيعطى هَؤُلاءِ الذين ظلمهم وضربهم من حسناته، فإذا نفذت أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، فيلقى في النَّار) .
وكما في حديث الرجل الذي يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى له يَوْمَ القِيَامَةِ بعد أن توزن جميع أعماله، وإذا بحسناته طائشة، وإذا بسيئاته عظيمة وثقيلة، فتجعل سيئاته في تسعة وتسعين سجلاً، فيقول له الرب -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: (هل بقي لك من شيء) ، فَيَقُولُ: لا يا رب ما بقي شيء، فيقول الله: (ولكن لا يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد، بقي لك هذه البطاقة) ، فيرى بطاقة مكتوب فيها: "لا إله إلا الله" فَيَقُولُ: يا رب! وما تصنع هذه البطاقة بتسعة وتسعين سجلاً؟! فتوضع البطاقة فترجح عَلَى هذه السجلات جميعاً) التوحيد يرجح بجميع السجلات، فهذا كانت عنده حقيقة التوحيد، ولكنه كَانَ يرتكب ويفعل من الآثام ما الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به عليم، وقد أحصاه عليه وعده، ثُمَّ أراه إياه، ثُمَّ تجاوز عليه بفضل تحقيقه للتوحيد.
وسنتحدث عن الميزان في آخر الكتاب -إن شاء الله- ضمن الحديث عن البعث، وهناك نبين الرد عَلَى مثل هذه الشبه، وهي قول الفلاسفة والمعتزلة ومن وافقهم بأن الأعمال أعراض، والأعراض لا توزن، وانكروا لذلك الميزان، مع أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْناً [الكهف:105] .