والذين عبدوا اللات والعزى إنما عبدوا أحجاراً صماء ليس فيها حياة. وهكذا كل ما عُبد من دون الله من ملك أو نبي أو ولي أو حجر أو شجر أو كوكب، نجد أنه ما كَانَ له أن يُعبد من دون الله لو أن العابدين له كانت لهم عقول، فلو أنهم تأملوا في حقيقة هذا الاسم، وقدروا الله حق قدره، وعرفوا حقيقة اسم الله: "الحي" لما عبدوا من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أحداً سواه بإطلاق.
ومن كمال حياة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أنه لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم، أما البشر فلأن حياة الإِنسَان ناقصة، وله جسم يتعب ويلغب ويمسه النصب، فإنه يحتاج إِلَى أن ينام ويصحوا ويحيا ويموت، فلا يمكن أن يكون معبوداً، ولا يمكن أن يكون إلهاً.
أما الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فإنه لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا تعتريه غفلة ولا سهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا الذي فسره النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) .
فهكذا من يقرأ هذه الآيات وهذه الأحاديث، ويستيقن حقيقة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويحاول أن يتعرف عَلَى صفات الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فإنه يعظم الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- في قلبه، فيخشع له ويخبت وينيب إليه وحده سبحانه لا شريك له، فمن كمال حياته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أنه لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم، ولا يعتريه سهو ولا غفلة، ولا آفة من الآفات التي هي علامات نقص الحياة، ودلالات عَلَى أن حياة صاحبها ليست الحياة الكاملة المطلقة.
ولما نفى الشيخ رَحِمَهُ اللهُ التشبيه، أشار إِلَى ما تقع به الفرقة بينه وبين خلقه بما يختص به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دون خلقه، فمن ذلك: أنه حي لا يموت.