وإنما القياس الذي يسمى قياساً اصطلاحاً، وإلا فهو معرفة فطرية بدهية -إن صح التعبير عنه- هو قياس الأولى، فكل كمال للمخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالله أولى به؛ لأن مصدر هذا الكمال للمخلوق هو الله سبحانه وتعالى.

يقول الله سبحانه وتعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] فالعلم صفة كمال، فإذا جاء أحد من المعتزلة أو المعطلة نلزمه بقياس الأولى، نقول: إذا كان العلم صفة كمال للمخلوقين ومدح وثناء فهو في حق الله أوجب وألزم؛ لأن هذا الكمال الموجود في الإنسان إنما أعطاه الله، فالذي أعطاه هذا الكمال - في نظرك - يكون هو ناقصاً خالياً منه.

فغاية ما تقولون: ليس بجاهل، ولو قيل لكم: كيف علم الشيخ؟ وقلتم: إنه ليس بجاهل، كان هذا حطٌ من قيمته، فهذا غاية ما يصفون به الله عز وجل: أنه ليس بجاهل، ولا يقولون: هو عليم ولا عالم.

ومن أعجب العجب أن غلاة نفاة الصفات الذين ينفون جميع الصفات عن الله، يقولون -في كتبهم القديمة-: غاية الفلسفة هي التشبه بالله على قدر الطاقة، والتخلق بأخلاق الله، وجاء المتفلسفون من المسلمين ومن اقتفى نهج هؤلاء من الصوفية، وأخذوا ينقلون هذا الحديث الذي هو "تخلقوا بأخلاق الله"، كما في إحياء علوم الدين وأمثاله، فكيف قلتم: ما له صفة، وإنما هو وجود مطلق فقط، ولا يوصف بشيء، فنتشبه بأي شيء إذن؟! وهذا من أعجب العجب، تناقض هؤلاء النفاة في مثل هذه الأقوال التي يقولونها.

ويقولون: إن الله موجود مطلق ليس له أي صفة، فغاية الكمال ـ وهذا خاص بالفلاسفة الذين يسمون في الإسلام صوفية -أن تمحى صفات المخلوق ويفنى حتى تتحد ذاته بذات الحق الخالق سبحانه وتعالى، فلا يبقي للإنسان صفة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015