والعلم بإلحاق المجهول بالمعلوم لا يخرج عن هذين الطريقتين عندهم، إما القياس بمصطلح الأصول الفقهي، وإما القياس بالمصطلح الكلامي المنطقي، فما دام أننا قد قررنا أنه لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الإفهام، ولا يحيطون به علماً -كما أخبر سبحانه وتعالى- فلا يجوز أن يستدل في باب العلم الإلهي، لا بقياس الشمول ولا التمثيل.

وإنما يستخدم قياس الأولى -وهو الذي لم يتنبه ولم يفطن له هؤلاء المعطلون للصفات- وهو: أن كل كمال للمخلوق لا نقص فيه بوجه من الوجوه فالله أولى به، فمثلاً: العلم صفة كمال للمخلوقين، فكل عامي من عوام المسلمين يدرك بفطرته أن الله عليم، فهذا قياس فطري جلي؛ لأن العلم صفة كمال لا نقص فيها، فالله -تبارك وتعالى- أولى وأحق بها من المخلوق.

وقلنا: لا نقص فيه بوجه من الوجوه؛ لأن الإنسان يتزوج، وهي صفة كمال في حق الإنسان، فالذي لا يتزوج حصور، لكنها بالنسبة لله -عز وجل- نقص؛ لأنه ليس له صاحبة ولا ولد سبحانه وتعالى.

وهذا من الأدلة الفطرية العقلية التي تتفق مع الأدلة النصية النقلية على إثبات صفات الله سبحانه وتعالى.

أما قياس الشمول أوالتمثيل، فإنما أورث علماء الكلام الحيرة والشك والتناقض؛ لأنهم يقيسون على ما لا يعلمون حقيقته، ويجعلون هذه الذات -التي لا يدركونها ولا يمكن أن يدركوا حقيقتها- أفراداً من كلي تستوي في الحقيقة ثم يقيسون ويتكلمون في الاسم والتركيب والأعراض والجواهر وكذا وكذا، وكأنهم قد علموا حقيقته سبحانه، وعرفوا ذاته، وجعلوها كسائر الذوات.

والله سبحانه وتعالى أعلم بنفسه وبصفاته سبحانه وتعالىقُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه [البقرة:140] ، فلذلك لا نثبت لله إلا ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نخوض فيها بهذين القياسيين الباطلين في موضوع العلم الإلهي، وإن كان في مجال الأصول أو المنطق قد يصحان وقد يبطلان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015