والواقع أنه لم يرد في وصف المحشر حديثاً صحيحاً كاملاً من أوله إِلَى آخره، وإنما الذي حصل أن بعض الوعاظ جمعوا كل ما ورد في الأحاديث وركبوا منها قصة واحدة وجعلوها كأنها حديث واحد.
وسوف يأتي إن شاء الله تَعَالَى أحاديث عن أنس بن مالك وأبي سعيد رضي الله عنهما وغيرهما تدل عَلَى إخراج عصاة المؤمنين أهل التوحيد من النَّار وإدخالهم الجنة، وهي أحاديث صحيحة رواها الشيخان وقد روى الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللهُ كثيراً من هذه الأحاديث وكذلك رواها غيره من الأئمة الحفاظ، والسبب في عدم ورود حديثاً كاملاً صحيحاً من أوله إِلَى آخره -والله أعلم- أن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحدث أصحابه حديثاً واحداً في المحشر بأكمله، وإنما كَانَ يحدثهم ببعض ما سيحصل في المحشر كما في هذا الحديث، الذي أوله: (أتي بلحم فدفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة) وذكر فيه أمر شفاعته (وأنه سيد ولد آدم يَوْمَ القِيَامَةِ) ، وفي حديث آخر ذكر صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حوضه، وفي حديث ثالث ذكر الميزان، وفي حديث رابع ذكر دخول أهل الجنة الجنة وفي حديث خامس ذكر شفاعته لأبي طالب، وهكذا.
فأحاديث يَوْمَ القِيَامَةِ كآيات يَوْمَ القِيَامَةِ، فهي متفرقة في سور متعددة وفي كل سورة نجد مشهداً وموقفاً وحدثاً قد يرى أنه يختلف عن الآخر، وما ذلك إلا لعظمة هذا اليوم وسعته وكثرة ما فيه من الحوادث والوقائع والأهوال، وكذلك تأتي في السنة أحاديث متفرقة كل حديث فيه مشهد من مشاهد يَوْمَ القِيَامَةِ، فالأحاديث الصحيحة التي وردت ليس فيها حديثاً كاملاً من أوله إِلَى آخره يصف اليوم من أول النفخ في الصور إِلَى آخر شيء من أمور الشَّفَاعَة.