وقد سبق أن ذكرنا في الرد عليهم أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وصف نفسه في أول سورة غافر فقال: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ ألا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:3] فوصف نفسه في هذه الآية بصفتين عظيمتين أنه غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ فإذا كَانَ لا يغفر إلا لمن تاب فيكفي ذكر صفة واحدة، وهو: أنه قابل التوب فقط، فإذا عرفنا الله وعرفنا صفاته تعالى، عظَّمناه وقدرناه حق قدره، وعرفنا ماذا نعتقد في حقه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فمن تاب قَبِلَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى توبته حتى وإن تان من الشرك.
الجمع بين آيات الرجاء وآيات الوعيد
الله تَعَالَى عندما قال في آيات الرجاء وآيات الوعيد يظن قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] وأيضاً قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] .
فكونه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يغفر للمشركين وأنه حرم عليهم الجنة، هذا حق وكونه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقبل التوبة من أي أحد، هذا حق أيضاً، ولا تعارض بينهما؛ فإذا تاب المشرك فقد انتقل من هذا الحكم -عدم المغفرة للمشرك- إِلَى حكم إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً.