الأول: نعيم الجنة، فقد صح الحديث أن (فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ومعنى هذا أن الإنسان مهما توهم أو تخيل أنهار الجنة أو عسلها أو مياهها أو أشجارها أو مسكها أو زعفرانها، فإن هذا مجرد خيال يتخيله، وليست الجنة بما تصوره؛ لأن الحقائق التي فيها لا يستطيع الإنسان أن يتخيلها كما هي أبداً، وإنما هذه ألفاظ جاءت في القرآن أو السنة، كما قال عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-:"ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء" فهو اشتراك في الاسم فقط، أما في الحقائق فمختلفة تماماً.

الثاني: الروح، فكل إنسان حيٍ له روح، يحس بهذه الروح، ويجزم بوجودها في الأحياء جميعاً، ومع ذلك لا ندري كنه هذه الروح، ولا كيف تعمل وتتأثر، ولا كيف حالها حال اليقظة وحال النوم، ومع ذلك إذا جاء أجل الإنسان فإن روحه تقبض، والناس ينظرون، كما قال عز وجل: وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ [الواقعة:84] ، فحقيقة الروح مجهولة، مع أننا نؤمن بها ونعرف من أوصافها ما جاء في الكتاب والسنة، ونسلم بحقيقة وجود الروح، ونعيم الجنة، مع أننا لا ندرك الحقيقة ولا الذات.

فهذان مثلان مضروبان في مخلوقات الله عز وجل، فكيف يكون الحال مع ذاته سبحانه وتعالى الذي هو أجل وأعظم من كل شيء، الذي عجزت العقول عن أن تدركه، وأن تعرف حقيقة ذاته، سبحانه وتعالى، فما علينا إلا التسليم والانقياد والإذعان، ولنعرف ربنا بما أخبر سبحانه وتعالى كما قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص] وكما قال: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض [البقرة:255] ، وكما قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015