لكن مع ذلك ما دام أن الاستدلال بالأدلة الخفية ينفع بعض النَّاس فلا بأس من أن نستخدم المقدمات الخفية ولا بأس بأن نستدل بها، ولذلك كما قلنا لما قيل: إن الإمام أحمد أوالإمام الشَّافِعِيّ أحدهما قَالَ: إن من الأدلة عَلَى وجود الله، وعظمته هذه البيضة التي ظاهرها عَظْم وباطنها الماء ثُمَّ يخرج منها هذا الحيوان وله منقار وله سمع وله بصر، وهذا المثال من الأمثلة الكثيرة جداً عَلَى وجود الله وعظمتة وحكمتة سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا المثال يذكره الإمام كمثال من أمثلة كثيرة، وربما ذكره لخفائه عَلَى بعض الناس، وكذلك هو من ضمن مدلول الآيات القرآنية، كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ: (فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانسَانُ إِلَى طَعَامِهِ [عبس:24] ؛ لأن كثيراً من النَّاس يأكل ولا يذكر أن يتفكر في هذا الشيء، إذاً فما الفرق بين الإِنسَان وبين الحيوان الذي يهجم عَلَى أي شيء فهو يأكل ولا يفكر ما أصل هذه الشجرة ومم تركيبها، المهم عنده أن يأكل، فالإِنسَان لا ينبغي ولا يجوز له أن يكون كذلك، فليتأمل في هذا الطعام كيف سخر الله عَزَّ وَجَلَّ له من زرعه وحصده وخبزه، حتى وصل إليه رزقاً مقسوماً مكتوباً في ساعة معينة، لم يكتب الله أن هذا الرغيف يقع في يد غيره، ولم يكتب الله عَزَّ وَجَلَّ أن يكون هذا الرغيف غداء أو فطوراً وإنما كَانَ عشاء.

إذاً فَلْيَنْظُرِ الإِنسَانسَانُ إِلَى طَعَامِهِ [عبس:24] تشمل كل هذه الأشياء، فتشتمل أيضاً الماء الذي يشربه، ثُمَّ ذكر الله تَعَالَى بعد تلك الآيات كيفية نشأة الطعام منذ أن شق الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الأرض إِلَى أن يخرج منها الحب إِلَى أن أكله الإِنسَان وهكذا النظر في السماوات أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية: 17، 18] والنظر في السماء كيف رفعت معناه: أن يتأمل الإِنسَان في عظمة هذه المخلوقات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015