المفاضلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين يونس بن متى عليه السلام

قَالَ المُصْنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

[وأما ما يروى أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تفضلوني عَلَى يونس) وأن بعض الشيوخ قَالَ: لا يفسر لهم هذا الحديث، حتى يعطى مالاً جزيلاً، فلما أعطوه فسره بأن قرب يونس من الله، وهو في بطن الحوت، كقربي من الله ليلة المعراج، وعدوا هذا تفسيراً عظيماً، وهذا يدل عَلَى جهلهم بكلام الله وبكلام رسوله لفظاً ومعنى، فإن هذا الحديث بهذا اللفظ لم يروه أحد من أهل الكتب التي يعتمد عليها، وإنما اللفظ الذي في الصحيح (لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى) وفي رواية (من قَالَ: إني خير من يونس بن متى فقد كذب)

وهذا اللفظ يدل عَلَى العموم أي: لا ينبغي لأحد أن يفضل نفسه عَلَى يونس بن متى، ليس فيه نهي الْمُسْلِمِينَ أن يفضلوا محمداً عَلَى يونس، وذلك لأن الله تَعَالَى قد أخبر عنه أنه التقمه الحوت وهو مليم، أي فاعل ما يلام عليه، وقال تعالى: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] .

فقد يقع في نفس بعض النَّاس أنه أكمل من يونس، فلا يحتاج إِلَى هذا المقام، إذ لا يفعل ما يلام عليه، ومن ظن هذا فقد كذب، بل كل عبد من عباد الله يقول ما قال يونس: أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء:87] كما قال أول الأَنْبِيَاء وآخرهم، فأولهم آدم قد قَالَ: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015