أما هذه الرواية فإنها تحتمل كما قَالَ المُصْنِّفُ وتخرج عَلَى أحد التخريجات، إما الهوى أو العصبية، وهي مذمومة، ولذلك لا يجوز التفضيل عَلَى هذا السبيل كما ذكر هو رَحِمَهُ اللَّهُ، وإما أن يكون النهي عن التفضيل المعين، أي: لا تقل: نوح أفضل من موسى أو موسى أفضل من عيسى، فالتفضيل المعين يشعر بانتقاص هذا المفضل عليه، كما لو قلت: فلان أفضل من فلان، فإنك تشعر بأنه أنقص، لكنك لو قلت فلان أفضل أهل البلد لكان أولى -كما ذكر مثالاً هنا- فأنت لما عممت لم يكن في هذا التعميم ما يسيء لأحد بعينه، فهو معقول ولا بأس أن تقوله، وبناءً عَلَى هذا نقول: إن رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل الأنبياء، لكن لا نعين واحداً منهم فنقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل من النبي فلان، وهذا الوجه ذكره المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ، وذكر قبله الوجه الآخر.

ثُمَّ ذكر أيضاً مخرجاً ثالثاً وهو: أن زيادة لا تفضلوني عَلَى موسى غير ثابتة، وأنا في الحقيقة لم أجد في هذه الرواية ما يقدح فيها، وهذه الزيادة موجودة في صحيح البُخَارِيّ، مع أنها لم ترد في بعض الروايات، لكنها وردت في البعض الآخر، ومع هذا لم أجد فيها أي مطعن، إذاً هذا الحديث كله في صحيح البُخَارِيّ وفي بعض رواياته، هذه الزيادة وفي بعضه (لا تخيروا بين أولياء الله) وفي بعضها (لا تفضلوني عَلَى موسى) ولم أجد أن الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذكر فيها أي مطعن.

وكلام المُصْنِّف موهمٌ حيث قَالَ: وعلى هذا يحمل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تفضلوني بين الأَنْبِيَاء) إن كَانَ ثابتاً، مع أن هذا ثابت، في كتاب الأَنْبِيَاء من صحيح البُخَارِيّ، لكن الذي يظهر لي أن المُصْنِّف لم يذكر لهذه الرواية علة إلا الشذوذ، حيث إنها لم ترد في جميع الروايات، وأنا لا أذهب إِلَى ماذهب إليه، إلا إذا تيقنا الشذوذ ولم يمكن الجمع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015