(ثُمَّ سأل: هل قاتلتم هذا النبي؟ قالوا: نعم، قَالَ: كيف الحرب بينكم وبينه؟ قالوا: دول مرة لنا ومرة له) قَالَ: هذه أيضاً علامة الأَنْبِيَاء يبتلون ويمتحنون بأن يهزموا مرة أو مرتين؛ ولكن ستكون العاقبة لهم، ينذر أبا سفيان لا يغرك الصلح، كأنه يقول له: العاقبة له عليكم.

وابتلاء الأَنْبِيَاء فيه حكمه: أن الأتباع ليسوا كلهم عَلَى درجة من الإيمان فبعضهم يتراجع ويتمحص صف الإيمان بهذه الهزائم والنكبات، ولا يبقى إلا المؤمن القوي الثابت، وهذا المؤمن المتمحص بالأحداث وبالفتن هو المؤهل لأن يقود الدعوة، ولأن يبلغ الدين، ولأن يورثه الله الأرض، فالعاقبة لهم قطعاً -العاقبة لهذا النبي واتباعه- لكن لو أن كل من دخل معه دخل وانتصر لدخل أصحاب الأهواء والمطامع والشهوات، لكن يقتل من يقتل ويعذب من يعذب فينهزمون مرة وينتصرون مرة، وهكذا فيتمحَّصون ويتربَّون فلا يستمر ولا يبقى لهذا الدين إلا من كَانَ حقاً قوي الإيمان وصادق الإيمان.

(ثُمَّ سألهم: هل يغدر؟ قالوا له: لا يغدر، فقَالَ: هكذا الأَنْبِيَاء) لا يغدر النبي لأنه واثق من نصر الله، ولأنه يأتمر بأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

(ثُمَّ سألهم ماذا يدعوكم إليه؟ فَقَالُوا: يأمرنا أن نعبد الله وحده ويأمرنا بالصلاة، والزكاة، والعفاف، وصله الأرحام، وبر الوالدين) وكلها محاسن وفضائل تطبق عليها الفطر والعقول، فقَالَ: هذه جَاءَ بها جميع الأنبياء، الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام، جَاءَ بها جميع الأنبياء.

إذاً هذا نبي، فاستنتج هرقل من هذا كله أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي حقاً بلا ريب.

وقال هذه العبارة التي قالها في آخر مرة، قَالَ: (قد كنت أعلم أن نبياً يبعث ولم أكن أظنه منكم -أمة حقيرة تافهه- ولوددت أني أخلص إليه -أي أذهب إليه- ولولا ما أنا فيه من الملك لذهبت إليه) نعوذ بالله من الدنيا. .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015