ثُمَّ يقول المصنف: [هذا هو الجبر الباطل الذي لا يمكن صاحبه التخلص من هذا المقام الضيق، والقدري المنكر أقرب إِلَى التخلص منه من الجبري] أي: القدري المنكر أقل شراً ممن يقول؛ بالجبر لأنهم ينسبون الشر والفساد والذنوب إِلَى العباد ولا ينسبون ذلك إِلَى الله تَعَالَى، بخلاف قول الجبرية تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
ومذهب أهْلِ السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خالق أفعال العباد، وأن العباد فاعلين لها حقيقة.
وخلاصة ما تقدم أن الجبرية يقولون: إن الله هو الفاعل لأفعال العباد، والقدرية النفاة يقولون: إن العبد هو الخالق، أما أهْلُ السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ فكما قال المصنف: [وأهل السنة المتوسطون بين القدرية والجبرية أسعد بالتخلص من الفريقين] فليس ثمت إشكال يواجههم في قضية أفعال العباد.
فمعاصي العباد كلها بقدر الله وقضاءه وموافقة لإرادته الكونية القدرية، ولكنها مخالفة لإرادته الشرعية -لأمره ونهيه- ولهذا يؤاخذ عليها أصحابها ويعاقبون لأنهم فعلوها بإرادتهم، وهذه الإرادة تابعة لمشيئة الله، فإن فعلوا خيراً جوزوا به، وكان ذلك جزاءً لما فعلوه بإرادتهم واختيارهم من الطاعات، وإن فعلوا شراً عوقبوا به، وكان ذلك جزاءً عَلَى ما فعلوه بإرادتهم وباختيارهم من المعاصي والقبائح.
يقول المُصنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:
[فإن قيل: كيف يتأتى الندم والتوبة مع شهود الحكمة في التقدير ومع شهود القيومية والمشيئة النافذة؟] اهـ.
الشرح:
تقول الصوفية: مادام أنه لا يقع شيء في الكون إلا بحكمة الله ومشيئته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلو شاء الله لما وقع ولا كان.