فموسى عَلَيْهِ السَّلام لامَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلام عَلَى المصيبة لا عَلَى المعصية، فاحتج آدم بالقدر عَلَى المصيبة، والاحتجاج بالقدر عَلَى المصيبة جائز وصحيح، وبعض العلماء قالوا: الذنب أيضاً يحتج بالقدر عليه من جهة وقوعه قدراً، وهذا الوجه هو الذي يناسبنا هنا، فآدم لم يحتج عَلَى الذنب من جهة أنني أعمله وأستمر -كما فعل إبليس- ولكن من جهة وقوع المعصية بقدر الله عَلَى الجهة المكروهة.

فخلاصة المسألة: العلم بأن ما كَانَ منها إِلَى الله فهو غير مكروه وليس فيه شر، وأن ما كَانَ منها -من أفعال الشر التي يفعلها الخلق- بالنسبة إِلَى العبد فهو مكروه، فالكراهة جاءت من فعل العبد ومن عمله.

قول الجبرية مردود عند جميع العقلاء

والتساؤل الثالث:

قَالَ المُصْنِّفُ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:

[فإن قيل: ليس إِلَى العبد شيء منها قيل: هذا هو الجبر الباطل الذي لا يمكن صاحبه التخلص من هذا المقام الضيق، والقدري المنكر أقرب إِلَى التخلص منه من الجبري، وأهل السنة المتوسطون بين القدرية والجبرية أسعد بالتخلص من الفريقين] اهـ.

الشرح:

إن الجبر الباطل هو: أن لا نجعل للعبد أي إرادة لأعماله، ولا نجعل له نسبة ولا إضافة في أعماله التي يعملها، ومن الجبر الباطل أن نجعل أعمال الإِنسَان الإرادية الاختيارية حين يأكل أو يشرب أو ينام أو يطيع أو يعصي مثل الريشة في مهب الرياح ليس لها أي إرادة، أو أن حركته بيديه أو بعينه مثل حركة قلبه حينما ينبض، وهذا قول لا يوافق عليه عاقل، وقد اتفق جميع العقلاء عَلَى نبذه ومخالفته.

ولهذا قلنا كما سبق: إن القدرية الجبرية ليس لهم شبهة وقولهم مخالف للعقل والنقل ولهذا لا نشتغل كثيراً بإبطال مذهبهم، أما القدرية النفاة فإن في كلامهم من الشبهات والاحتمالات ما قد يلتبس عَلَى كثير من النَّاس، ولذلك أطال العلماء في إيضاح هذه الشبه والرد عليها.

وسطية أهل السنة في أفعال العباد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015