فيُقَالُ: إن الحكمة اقتضت إيجاده ولم تقتضِ إمداده، ثُمَّ قالوا: [فهلا أمد الموجودات كلها فهذا سؤال فاسد] معنى هذا: أنه يقول: لماذا لم يخلق الله الشياطين والبشر عَلَى نسق الملائكة؟ أو لماذا لم تكن الموجودات جميعاً ملائكة؟ فنقول: هذا سؤال فاسد، فإن الحكمة فيه الآن متحققة خلاف ما لو كانت المخلوقات عَلَى نسق واحد، إذاً فما وقع من الشر في الكون، فهو من جهة المخلوقات التي خلقها، ولم يمدها بأسباب الخير، وهنا يجب ملاحظة الفرق بين قولنا: لم يمدها بأسباب الخير وبين قولنا: إنه لم يبينها، فإن الله تَعَالَى بيَّن لأهل الشر هذا الشر، وأقام الحجة عليهم.
لكن لم يوفقهم للعمل به، ولم يمدهم بالأسباب، عَلَى أن يكونوا من أهل الخير، فخذلهم ووكلهم إِلَى أنفسهم، فهم يعلمون أنه شر فاختاروه، وعصوا الله عَلَى علم، وكفروا به عَلَى بينة.
هل التسوية بين الموجودات أبلغ في الحكمة؟
ومورد ذلك السؤال الفاسد هو ظنهم (أن التسوية بين الموجودات أبلغ في الحكمة) فنرد عليهم بقول المصنف: [هذا عين الجهل، بل الحكمة في هذا التفاوت العظيم الذي بين الأشياء] فكل نوع منها ليس في خلقه تفاوت، والتفاوت وقع لأمور عدمية يتعلق بها الخلق، وقوله تعالى: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ [الملك:3] أي: فليس عدم التفاوت المنفي عن الله أنه لم يخلق شراً وخيراً وحقاً وباطلاً، فوجود الأنواع المختلفة ليس تفاوتاً، بل هو عين الحكمة، أما لو خلق الله اثنين من نوع واحد وكلاهما عَلَى الهدى وهما في العمل الصالح، ثُمَّ جعل هذا في الجنة وهذا في النار، فهذا هو التفاوت، ولكن ما دام أن هذا نوع وهذا نوع، وهذا خير وهذا شر.