إذاً: جزاه الله خيراً فقد أخذني إِلَى الحق، سواءً عمل أو لم يعمل، كما قال الله: لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً [هود:29] مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ [الفرقان:57] ، لكن هَؤُلاءِ قليل، أما الأكثر فعكس ذلك تماماً يقابلك بالكلام البذيء والاستهزاء والسخرية، ولله تَعَالَى في ذلك حكمة، وإلا كان كل النَّاس آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، فإذا كان ذلك فكيف تكون ولاية لله؟ وكيف تعلم منزلة أبي بكر الصديق من غيره من المنافقين، الذين كانوا يحلفون ويقسمون أنهم مؤمنون، فالمسألة ليست مسألة أًيمان، فأي إنسان مستعد أن يحلف لك أنه يحب الله ويحب دينه، لكن الحقيقة تأتي في المحن وفي الشدائد والمكروهات، والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يريد أن يعذب أوليائه، لكن ليظهر ظهور انكشاف، وإلا فهو تَعَالَى يعلم ذلك، وليعلم أيضاً الخلق أن هذا مؤمن صادق وأن ذاك منافق.

في غزوة تبوك خلفوا ثلاثة من المؤمنين -أي: تأخروا- عن الغزو، فندموا وتابوا، لكن المنافقين لم يفكروا في شيء، بل قالوا: يطمع مُحَمَّد ومن معه أن بني الأصفر "الروم" مثل قريش وغطفان، فكانوا يظنوا أن هذا نهاية الْمُسْلِمِينَ، ولهذا قالوا: قد أخذنا أمرنا من قبل، أي احتطنا وعرفنا أن المعركة خاسرة، فنحن نعرف متى نحارب ومتى لا نحارب، فكأن هذا من الذكاء والتخطيط، هكذا قال المنافقون وزين لهم الشيطان أعمالهم، فلما ظهر أمر الله وهم كارهون، وجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصوراً بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعاد إِلَى المدينة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015