فلا تجد قوماً يؤمنون بالله وبرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوادون من حاد الله ورسوله، ولا يجتمع في قلب أحد من النَّاس حب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وحب عدو الله إبليس، وحب الكفر والإيمان جميعاً.

هذه الموالاة والمعاداة نتيجة وثمرة لوجود الكفر ولوجود الشر، ولوجود مادة ذلك الكفر والشر وهو إبليس، فتنوعت العبوديات لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، تبعاً لوجود هذا الشر الذي هو إبليس وأعوانه.

عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لو كان النَّاس كلهم مؤمنين ولم يكن في هذا الكون شر، ولم يُخلَق إبليس اللعين لما وجدت المنكرات، ولما وجدت عبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بل لو كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يأتي بمجرد اللسان، أو بالأمر الهين لكان النَّاس كلهم آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، لكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستلزم الصبر والمشقة والتضحية، ولعل في قول لقمان الحكيم لابنه وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17] لعل في ذلك إشارة إِلَى هذه الحكمة وهي: أنه عقَّب عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالصبر، والصبر أعم من أن يكون عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هو أعم من ذلك، لكن كونه يأتي بعده فيه إشارة إِلَى رابطة بينهما، بأنه لا يمكن أن يأمر أحد بالمعروف، أو ينهى عن المنكر إلا ويبتلى، فإذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فاصبر عَلَى ما يصيبك، وأنت أيضاً مأمور بالصبر عَلَى الطاعة، ومأمور بالصبر عَلَى المعصية، ومأمور بالصبر عَلَى الأقدار، لكن في هذه الحالة بالأخص إذا أمرت بالمعروف أو نهيت عن المنكر فاصبر، كما قالورقة بن نوفل: {ليتني أكون فيها جذعاً إذ يخرجك قومك} قالها للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أن نزل عليه الوحي، أي: ليتني أكون شاباً قوياً إذ يخرجك قومك حتى أنصرك نصراً مؤزراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015