فلو كانت الدنيا كلها أدواء لما صلحت الحياة، ولو كانت كلها دواء، أو لا مرض فيها ولا داء، فإنها تفوت حكم عظيمة، لكن حكمة الله عَزَّ وَجَلَّ أنها أدواء ومعها الدواء، ولذلك انتظمت مصالح ومعايش كثيرة لأناس كثيرون، فمرض هذا نفع لذلك، فإن كَانَ الذي مرض بالداء شريراً، استراح الخلق من شره.
وأما إذا كَانَ المريض طيباً، فيستفيد الأطباء من ذلك، وأيضاً مساعدة هذا المريض والإحسان إليه يحصل بسبب ذلك الأجر من الله، وكمثال آخر: أن الله يبتلي بعض عباده بالفقر مع أنه مكروه لذاته -فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يكره أن يفقر عبده الصالح- لكن هناك حكم كثيرة وراء ذلك، فيبتليه ليرفع درجته وكذلك الإحسان إليه يكون سبباً في تحصيل الأجر من الله.
وهكذا أمور كثيرة نجد أن لها حكماً عظيمة، يعجز العقل البشري عن حصرها، فتظهر بوجود هذه المتضادات المتقابلات والله تَعَالَى هو العليم بكل شيء. قوله: [والحياة والموت] ، وأيضاً الموت له حكم عظيمة، فإما أن يموت شرير فيستريح الخلق من شره، كما قال النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مستريح ومستراحٌ منه) .
فلو كَانَ فرعون وماركس وغيرهما -عياذاً بالله- أحياء لما وجد النَّاس راحة في حياتهم، فيكفي أن الأمم والشعوب عانت من شرهم مدة حياتهم، فلما ماتوا استراح النَّاس من شرهم، وكذلك موت الأخيار أيضاً فيه حكمة.
فأفضل خلق الله مُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلله عَزَّ وَجَلَّ حكمة في موت النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنها: أنه بشر فلا يعبد من دون الله ولا يؤله، وليقوم النَّاس من بعده بالدين، وليعلموا أن مسؤلية هذا الدين عليهم.