وهذا السؤال هو منشأ الضلال عند القدرية، وقد دفعهم إِلَى أن يسووا بين المشيئة وبين المحبة.
الجواب عنها
لقد بين المُصْنِّف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الجواب عَلَى مثل هذه الشبهات: (فاعلم أن المراد نوعان: مراد لنفسه ومراد لغيره، فالمراد لنفسه مطلوب محبوب لذاته، ولما فيه من الخير) فمثلاً خَلْقُ الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا من أفعال الله التي فعلها وشاءها، وهو محبوب ومطلوب لذاته لما فيه من الخير، فرَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير مطلوب لذاته، ومحبوب لذاته [فهو مرادٌ إرادة الغايات والمقاصد] ، أي: مرادٌ لذات كونه غايةً، فهو مطلوب ومحبوبٌ في ذاته، والنوع الآخر: [والمراد لغيره، قد لا يكون مقصوداً وليس فيه مصلحة له بالنظر إِلَى ذاته، ولو كَانَ وسيلةً إِلَى مقصوده ومراده] ، مثال ذلك: خلق إبليس، ليس مقصوداً ولا مصلحة فيه له بالنظر إِلَى ذاته، "أي: ذات إبليس".
وحكمة الله اقتضت كما بينا وقرأنا الآيات السابقة، أن يكون النَّاس منهم كافر، ومنهم مؤمن كما قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً [هود:118] فاقتضت حكمته أن يكون النَّاس أمتين، إذاً هذا أمرٌ سبقت به الحكمة، وتمت كلمة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى بأن يكون للجنة أهل، وللنار أهل.
فهذا الأمر انتهى وفُرغ منه، فإبليس هذا الشر الذي لا يراد ولا يحب لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى هو من جهة أنه يتحقق به مراد الله الذي تمت به كلمته، وهو أن يكون للنار ملؤها، وللجنة ملؤها، فإبليس من هذه الجهة مرادٌ لغيره، فيريد الله من إبليس أن يجعل من النَّاس كما اقتضت حكمة الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى فيهم من يعصيه فيدخل الجنة، وفيهم من يطيعه فيدخل النار، فوجوده ينتج عنه مصالح، وحكم عظيمة، وإن كَانَ هو بذاته شراً محضاً، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مرادٌ له من حيث قضائه وإيصاله إِلَى مراده.