والمراد لغيره قد لا يكون مقصوداً للمريد، ولا فيه مصلحة له بالنظر إِلَى ذاته، وإن كَانَ وسيلة إِلَى مقصوده ومراده، فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته، مراد له من حيث إفضاؤه وإيصاله إِلَى مراده، فيجتمع فيه الأمران: بغضه، وإرادته ولا يتنافيان، لاختلاف متعلقهما، وهذا كالدواء الكريه، إذا علم المتناول له أن فيه شفاءه، وقطع العضو المتآكل، إذا علم أن في قطعه بقاء جسده، وكقطع المسافة الشاقة، إذا علم أنها توصل إِلَى مراده ومحبوبه.
بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب، وإن خفيت عنه عاقبته، فكيف ممن لا يخفى عليه خافية، فهو سبحانه يكره الشيء، ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره، وكونه سبباً إِلَى أمر هو أحب إليه من فوته، من ذلك: أنه خلق إبليس، الذي هو مادة لفساد الأديان، والأعمال، والاعتقادات، والإرادات، وهو سبب لشقاوة كثير من العباد، وعملهم بما يغضب الرب تَبَارَكَ وَتَعَالَى وهو الساعي في وقوع خلاف ما يحبه الله ويرضاه، ومع هذا فهو وسيلة إِلَى محابَّ كثيرةٍ للرب تَعَالَى ترتبت عَلَى خلقه، ووجودها أحبُّ إليه من عدمها [اهـ.
الشرح:
هذا الكلام قد يكون فيه شيء من الغموض، لكن المراد منه واضح، والإشكال الذي أثاره القدرية ويثيره المعترضون عَلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هو قولهم: كيف يريد الله أمراً ولا يرضاه ولا يحبه، فما دام أنه لا يحبه ولا يرضاه، فلماذا يشاؤه ويقدِّره؟ وذكر المُصنِّفُ مثالاً عَلَى ذلك إبليس، فما يعمل من الشر في العالم لا يحبه الله ولا يرضاه؟ فلماذا خلقه؟ وكيف يجمع إرادته له وبغضه وكراهيته.
وسبق أن ذكرنا من الأدلة التي تبين أنه يجتمع في الشيء الواحد مشيئة الله من جهة، وبغضه وكراهيته ومحبته من جهة أخرى.
كيف يجتمع بغض الله لشيء ومشيئته له نفسه؟ يقول: [قيل هذا السؤال هو الذي افترق النَّاس لأجله فرقاً، وتباينت طرقهم وأقوالهم] .