فأصل الشرك والكفر والجهل والجاهلية عند النَّاس هو شعورهم بأن لهم حولاً أو طولاً أو قوة ليست لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وليست تابعة لمشيئة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فلو شعر النَّاس أو علموا حقيقة حالهم، وأنهم فقراء إِلَى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كل نَفَس يتنفسونه، وفي كل لحظة، وأنه لا يمكن في أية حال من الأحوال أن يستقلوا بأنفسهم طرفة عين، لكانت عبوديتهم لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى غير ما نشاهد وغير ما نرى، ولهذا كَانَ من دعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعاذته أن لا يكله إِلَى نفسه طرفة عين، وهكذا المؤمنون، فلو وكلنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى أنفسنا طرفة عين لهلكنا.
ولكنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يدبرنا ويسيرنا بفضله، المؤمن والكافر، لكن المؤمن يستشعر فقره: إِلَى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كل شيء، فيكون مقتضى ذلك الشعور أن يعبد الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى وحده، ولهذا فالمؤمن رغم أنه يأخذ بالأسباب، لكن لا يجوز له أن يعلق قلبه بالأسباب، أو أن يخاف من بعض ما يخيفه، وهو من الأسباب أيضاً، لكن لا يعلق خوفه بالأسباب، فمنتهى الرجاء ومنتهى الخوف يكون إِلَى الله، ولهذا نقول: (أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك) .
السعادة في معرفة الله وعبوديته
يقول المُصْنِّف هنا: إن أصل معرفة العبودية أن تكون مبنية عَلَى الافتقار إِلَى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ومن الافتقار إِلَى الله: أن القلوب لا تطمئن ولا تهدأ ولا تسكن ولا ترتاح إلا بأن تعرفه وأن تعبده عَزَّ وَجَلَّ، فإن من لم يعرف الله عَزَّ وَجَلَّ حق المعرفة، ويعبده حق العبادة كَانَ فيه من الشقاء والألم، والنكد والنغص بقدر جهله بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولهذا نجد عصاة المؤمنين أحسن حالاً من الكفار، والكفار شر من ذلك.