والنبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوتي جوامع الكلم وهي من خصائصه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن ميزاته العظيمة وشمائله الكبرى، فهو يعبر عن المعاني العظيمة المتضمنة للحكم والمصالح الكبيرة ولدرء المفاسد والمضار الكثيرة، بلفظٍ موجزٍ قليل، ومعجزته في ذلك من جهة الفصاحة والبلاغة، ومن حيث وقعه عَلَى السمع، ومن حيث معانيه، كل ذلك يجتمع في أوجز وأبلغ لفظ، وكثير من الأحاديث التي قالها النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من باب جوامع الكلم التي تحوي العلوم الكثيرة، وهذا الحديث منها.
والذي يتأمله يجد أن فيه غاية التوحيد، فهو يتضمن الخوف من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وفيه بيان أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منه المهرب وإليه الملجئ، فالخوف يكون من الله، والالتجاء يكون إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَيَقُولُ: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك) .
يقول رَحِمَهُ اللهُ: [فتأمل ذكر استعاذته بصفة الرضى من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة] لكن الأمر كما قَالَ: [الأول: الصفة، والثاني: أثرها المرتب عليها] فأثر الرضا: المعافاة، وأثر السخط: العقوبة [فاستعاذ بالصفة من الصفة، ومن الفعل المرتب عَلَى هذه من الفعل المرتب عَلَى تلك، ثُمَّ ربط ذلك كله بذاته سبحانه، وأن ذلك كله راجع إليه وحده لا إِلَى غيره] وذلك في قوله: [وأعوذ بك منك] قَالَ: [فما أعوذ منه واقع بمشيئتك وإرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك] .
وأن إلى ربك المنتهى