ولهذا كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إذا أرسل جيشاً يَقَولُ: (إذا حاصرتم قلعةً أو حصناً أو قوماً فأخرج أحدهم يده وأشار إِلَى السماء فاقبلوا منه) وهذا يستدل به عَلَى إثبات العلو، وأنه فطري، وأن الإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فطري، فمن عبر بالإشارة حيث لا يستطيع أن يعبر باللسان فتعبيره مقبول، ومن هنا كَانَ أول واجب عَلَى الإِنسَان هو شهادة أن لا إله إلا الله وهو توحيد الله.

أما أهل الكلام فيقولون: الواجب عَلَى الإِنسَان أن ينظر في هذا الكون ويتفكر فيه.

وقال بعضهم: إذا الإنسان لم ينظر، فكيف نلزمه أن ينظر، قالوا: إذاً نجعل أول واجب عَلَى الإِنسَان القصد إِلَى النظر.

وقال بعض المعتزلة -: نفس القصد هو النظر فكيف نوجبه عليه؟

وقال أبو هاشم الجبائي -وهو من أئمة المعتزلة -: وأفضل شيءٍ أن نقول: إن أول واجبٍ عَلَى الإِنسَانِ هو الشكُّ، لأنه بعد أن يشك يحتاج إِلَى أن ينظر، فإذا قصد إِلَى النظر نظر، فإذا نظر آمن، فيكون قد أتى بالثلاثة كلها، وبعد ذلك يؤمن أن هذا الكون متغير، وكل متغير حادث، وكل حادث لا بد له من محدِث إذن له رب خلقه.

كل هذا الكلام الطويل، وهذه الفلسفة التي ما أنزل الله بها من سلطان مؤدّاها ونهايتها لكي يقول: (إن لهذا الكون رباً وإلهاً) سُبْحانَ اللَّه! وهل وجدت أمة تنكر أن هذا الكون ليس له خالق؟

حتى الْمُشْرِكِينَ كانوا يقولون: إنَّ اللهَ هُوَ الخالقُ، واللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنما بعثَ الرسل ليقولوا للناسِ: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] وهم يقولون: نَحْنُ نعبد الله، ولكن نعبد معه غيره، ونتقرب إِلَى الله بعبادة الصالحين.

وأما الذين أعلنوا الإلحاد الصريح كفرعون حيث قَالَ: " أنا ربكم الأعلى" وَكَمَا كَانَ حال صاحب الأخدود الذي كَانَ يريد أن يقول للناس أن يؤمنوا بأنه ربهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015