من الآيات التي استدل بها من يحتج بالقدر عَلَى المعاصي، آيات الأنعام، والنحل، والحديث الذي سبق، واستدلوا كذلك بقوله تعالى: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي [الحجر:39] فَقَالُوا: إن إبليس لما قَالَ: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي [الحجر:39] أنكر الله عليه واحتجاجه هذا مردود وعلى هذا فنحن لا نثبت المشيئة، أي: لا نقول إن الله هو الذي أغوى إبليس؛ لأن إبليس هو الذي قال إن ربه هو الذي أغواه محتجاً بذلك، فبناءاً عليه فنحن ننكر الإغواء، فهم يريدون أن ينكروا أن الله قدر الأقدار بناءاً عَلَى أن الذين احتجوا بالقدر هم المُشْرِكُونَ، ومنهم إبليس وَقَالُوا: لا نأخذ ديننا عن إبليس ولا عن الْمُشْرِكِينَ فلا قدر إذاً، ونرد عليهم بمثل ما رددنا عَلَى الْمُشْرِكِينَ من أن الله تَعَالَى لم ينكر أنه شاء الشرك، ولم ينكر أنه أغوى إبليس.
وإنما كَانَ الإنكار بما يحتج المُشْرِكُونَ -بمشيئته عَلَى شركهم- وبما يحتج إبليس -بإغواء الله له عَلَى ما فعله من التزين بالإِنسَان وإغواءه- فَيَقُولُ: إنما ذم عَلَى احتجاجه بالقدر لا عَلَى اعتراضه به فنحن نقول: إن اعتراض الْمُشْرِكِينَ بأن الله هو الذي شاء أن يعبدوا هذه الأصنام لا اعتراض عليه.
ونقول: لا يقع في ملك الله إلا ما شاؤه الله، واعتراض قول إبليس بأن الله قدر عليه الغواية نَحْنُ نقول نعم قدر الله عليه الغواية، لكن احتجاجه بأن الله قدر عليه بأنه غير مؤاخذ هذا الذي نرده.