نبدأ بقضية الحق من أولها، لأن هذه الكلمة لا يعرفها النَّاس حق المعرفة، عندما نقول: "حق فلان عَلَى الله"، أو "حق فلان عند الله" والمعتزلة تَعرِفون ضلالهم وهو قولهم: إنه يجب عَلَى الله أن يعاقب المسيء نعوذ بالله كيف يجرأ لسان أو فم أو قلب أن يوجب عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شيئاً الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، والذي عنده خزائن كل شيء وله الأمر والخلق، ولا معقب لحكمه ولا رادّ له ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ومع ذلك يقولون: يجب.
ولهذا كما سبق لما أنكروا الشَّفَاعَة، قالوا: كيف نثبت الشَّفَاعَة في إنسان عصى الله وتذهب المعصية هكذا، لا، بل يجب عَلَى الله أن يعذبه -والعياذ بالله- وهَؤُلاءِ حجروا رحمة الله، وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد كتبها وجعلها سابقة لغضبه.
فيقول المُصْنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: ليس لأحد عَلَى الله حق إلا ما أحقه عَلَى نفسه، ولا يفرض أحد عليه حقاً، بل هو من كمال عدله جعل ذلك وإلا لو شاء لفعل غير ذلك، ومن الذي يحاسبه أو يؤاخذه أو يقول: لم فعلت؟ لا أحد، فكل الخلق نواصيهم بيده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.