وهذا الكلام لا يقوله عاقل أبداً، ولو فتشنا لغة العرب من أولها إِلَى آخرها لما وجدنا عَلَى الإطلاق ما يؤيد هذا الكلام ولا ما يشهد له، فإن العرب وإن كَانَ في كلامها ما يسمى مجازاً أو استعارة وما يسميه غيرهم: أسلوباً من أساليب العرب في الفصاحة والبلاغة، لا بد لهذه الأساليب من رابطة، ومن علاقة واضحة محددة ومفهومة، أما مجرد أن تدعو فلاناً وتقول: أنا لم أقصده وإنما أقصد غيره فهذا لا يمكن.
فكيف بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -ولله المثل الأعلى- فالفرق بينه وبين قرب كل أحد منه وبين قرب أي مخلوق من مخلوق فرقٌ بعيد جداً؛ لأن الكل بالنسبة إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عبد فقير محتاج مضطر بالذات إِلَى اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فمهما كانت درجته، ومهما كَانَ قُربهٌ من اللهِ، فهو مُفتقر إليه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، حتى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا يملك لأحدٍ من الناسِ، بل هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والملائكة والأنبياء يدعون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وينكسرون بين يديه ويطلبون منه أن يقضي حوائجهم من جلب نفع أو دفع ضر.
ولهذا قال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء:57] فالأنبياء يتوسلون إِلَى اللهِ تَعَالَى ويرجون رحمته، ويخافون عذابه، ولا يملكون جنة، ولا يدفعون عن أنفسهم ولا عن أحد النَّار أبداً، فهذا هو الأصل.
فمن قَالَ: إنه يدعو ذلك لقربه من الله، أو لعلاقة ما بينه وبين الله، ويدعو ذلك دعاءً صريحاً، ويزعم مع ذلك أنه إنما يدعو الله؛ فهذا شرك أكبر، ومهما تمحل من الاعتذار لشركه بأنه يقصد كذا أو كذا فهذا مما لا تقره الأساليب العربية، ويعرف ذلك كل من عرف لغة العرب وأساليبهم.