ومن هنا نرجع إِلَى قضية الاتباع وليس الابتداع، فإذا وجدنا أن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد مماته توسلوا بذاته إِلَى الله، أو دعوا الله بذاته، فهم أولى النَّاس بالإتباع، وهم أعرف النَّاس بالدين، فنتبعهم وإن كانوا لم يفعلوا؛ بل بينوا لنا ما هو التوسل المشروع كما في قصة عُمَر ومعاوية مع العباس رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُم، عرفنا ما هو التوسل المشروع وما هو غير المشروع.
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[وأما الاستشفاع بالنبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيره في الدنيا إِلَى الله تَعَالَى في الدعاء، ففيه تفصيل: فإن الداعي تارة يقول: بحق نبيّك. أو بحق فلان، يقسم عَلَى الله بأحد من مخلوقاته، فهذا محذور من وجهين:
أحدهما: أنه أقسم بغير الله.
والثاني: اعتقاده أن لأحد عَلَى الله حقاً، ولا يجوز الحلف بغير الله، وليس لأحد عَلَى الله حق إلا ما أحقه عَلَى نفسه، كقوله تعالى: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47] وكذلك ما ثبت في الصحيحين من قوله صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاذ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ وهو رديفه يا معاذ، أتدري ما حقُّ الله عَلَى عباده؟
قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم.
قَالَ: حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً.
قال: أتدري ما حقُّ العباد عَلَى الله إذا فعلوا ذلك؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
قَالَ: حقهم عليه أن لا يعذبهم) .
فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق لا أن العبد نفسه مستحق عَلَى الله شيئاً كما يكون للمخلوق عَلَى المخلوق، فإن الله هو المنعم عَلَى العباد بكل خير، وحقهم الواجب بوعده هو: أن لا يعذبهم، وترك تعذيبهم معنى لا يصلح أن يقسم به، ولا أن يسأل بسببه، ويتوسل به، لأن السبب هو ما نصبه الله سبباً] اهـ.
الشرح: