وقال تَعَالَى في آخر سورة فصلت: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53] ، ثُمَّ قَالَ: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53] أي: إننا سنري الْمُشْرِكِينَ آياتنا، وهذا والله أعلم فيه إشارة إِلَى ما وقع وترونه الآن، أن أكثر الآيات الكونية والنفسية أكثر النَّاس إطلاعاً عليها هم الكفار، ومع ذلك لم يؤمنوا، لكن الله تَعَالَى يقول: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53] أي: القُرْآن حق، ثُمَّ قَالَ: أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:52] .

ومن ذلك: أننا نطبق هذا الاستدلال عَلَى نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى القُرْآن الذي جَاءَ به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنقول: إن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لما بعث هذا الرَّسُول وأنزل هذا القرآن، كَانَ النَّاس في الأرض عَلَى نوعين:

1- أهل كتاب يزعمون: أن ما في أيديهم من الصحائف والكتب هو الوحي الحق المنزل من عند الله.

2- ومشركين كمشركي العرب وغيرهم من عبدة النيران والأبقار، الذين لا كتاب لهم وإنما ورثوا هذه الأديان عن الآباء والأجداد كما قال الله عنهم: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23]

فكانت البشرية عَلَى نوعين، فظهرت دعوة جديدة عَلَى يد رجل يزعم أنه نبي -كما يقولون- وأن كتاباً من عند الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- نقياً خالصاً، قد نزل تصديقاً لما بين يديه من الكتب، وهدى وبشرى للمؤمنين، ومن علماء أهل الكتاب من شهد بصدق هذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ [الشعراء:197] وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ [الأحقاف:10] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015