فالله -عَزَّ وَجَلَّ- بيّن وحدانيته بالقرآن والسنة والآيات الكونية، وبآيات أعطاها لأنبيائه الداعين إليه، تدل عَلَى أن الواحد المعبود حقاً هو الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وأن الأَنْبِيَاء عندما يدعون الأمم إِلَى التوحيد لا يدعونهم بكلام مجرد، وإنما ببراهين قاطعة لا يملك أحد إلا أن يؤمن بها، إلا من يكابر ويعرض ويستكبر بعد قيام الحجة ووضوحها، فهو -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لكمال عدله ورحمته وإحسانه بخلقه، ولأنه لا أحد أحب إليه العذر منه كما في الحديث الصحيح: (ليس أحد أحب إليه العذر من الله) ؛ يقدم ويعطي للإنسان طرق الخير موضحة، فإن عذب بعد ذلك وأهلك وعاقب، فإنما يعاقب بعد إقامة الحجة والإعذار البالغ الذي ليس وراءه إعذار، ولو أن الأمم جاءها العذاب قبل أن يأتيها الأَنْبِيَاء لقالوا: رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى [طه:134] ، ولكن حكمة الله اقتضت أن جعل رسلاً مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس عَلَى الله حجة بعد الرسل، فآيات الأَنْبِيَاء عظيمة، وهي من أعظم الأدلة عَلَى أنه تَعَالَى قد جلى ووضح هذه الوحدانية، فكل نبي جَاءَ ببينة عظيمة يراها قومه ويفتخرون بها، ومن أعظم هذه البينات -ليس كما يقول علماء الكلام: إنها مجرد معجزة أن موسى عَلَيْهِ السَّلام قد ألقى العصا فإذا هي حية، وأن عيسى عَلَيْهِ السَّلام أحيا الموتى، ففي حقيقة الأمر لو تدبرنا آيات الأنبياء، لوجدناها من أولها إِلَى آخرها دلائل وبراهين عَلَى أنهم عَلَى الحق، وأنهم يدعون إِلَى الحق، ويولد أحدهم وينشأ عَلَى ما يدل عَلَى الاختيار والاصطفاء اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ [الحج:75] وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص:68] يختاره الله من أوسط قومه وأشرفهم، كما في صحيح البُخَارِيّ قصة هرقل